@ 126 @ وتواقعوا على مساربهم فوطئوا بالحوافر وتراكمت أشلاؤهم ما بين البابين حتى ضاق المسلك ما بين السقف ورحبة الباب وانطلقت الأيدي على المنازل نهبا واكتساحا .
وأما أبو تاشفين فإنه قاتل حتى قتل ابناه عثمان ومسعود أمامه وخلصت إليه جراحات فأثخنته وتقبض عليه بعض الفرسان فساقه إلى السلطان فلقيه ابنه الأمير أبو عبد الرحمن فأمر به فقتل في الحين واحتز رأسه وسخط السلطان ذلك من فعله لأنه كان حريصا على توبيخه وتقريعه وقال ابن الخطيب وقف أبو تاشفين وبنوه بإزاء القصر مدافعين عن أنفسهم وقاموا مقام الصبر والإستجماع وصدقوا عن أنفسهم الدفاع إلى أن كوثروا وأعجلتهم ميتة العز عن شد الوثاق وإمكان الشمات فكان في شأنهم عبرة رحمهم الله .
وخلص السلطان أبو الحسن إلى المسجد الجامع بحاشيته واستدعى شيوخ الفتيا بتلمسان وهما الإمامان الشهيران أبو زيد عبد الرحمن وأبو موسى عيسى ابنا الإمام فخلصوا إليه بعد الجهد ووعظوه وذكروه بما نال الناس من النهب والعيث فركب لذلك بنفسه وسكن الناس وقبض أيدي الجند عن الفساد وعاد إلى معسكره بالبلد الجديد وقد كمل الفتح وعز النصر واستولى السلطان أبو الحسن على تلك الإمارة المؤثلة بما اشتملت عليه من نفيس الحلى وثمين الذخيرة وفاخر المتاع وخطير العدة وبديعة الآلة وصامت المال وضروب الرقيق وصنوف الأثاث والماعون ورفع القتل عن بني عبد الواد أعدائه وشفا نفسه بقتل سلطانهم وعفا عنهم وأثبتهم في الديوان وفرض لهم العطاء واستتبعهم على راياتهم ومراكزهم وجمع كلمة بني واسين من بني مرين وبني عبد الواد وبني توجين وسائر زناتة وصاروا عصبا تحت لوائه وسد بكل طائفة منهم ثغرا من أعماله فأنزل منهم بقاصية السوس وبلاد غمارة وأجاز منهم إلى ثغور عمله بالأندلس حامية ومرابطين واندرجوا في جملته واتسع نطاق مملكته وأصبح أبو الحسن ملك زناتة بعد أن كان ملك بني مرين وسلطان العدوتين بعد أن كان سلطان المغرب فقط ! < إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين > !