@ 79 @ .
قال ابن خلكان اجتمع محمد بن تومرت بأبي حامد الغزالي والكيا الهراسي والطرطوشي وغيرهم وحج وأقام بمكة مدة مديدة وحصل قدرا صالحا من علم الشريعة والحديث النبوي وأصول الفقه والدين وكان ورعا ناسكا متقشفا مخشوشنا مخلولقا كثير الإطراق بساما في وجوه الناس مقبلا على العبادة لا يصحبه من متاع الدنيا إلا عصا وركوة وكان شجاعا فصيحا في لسان العرب والبربر شديد الإنكار على الناس فيما يخالف الشرع لا يقنع في أمر الله بغير إظهاره وكان مطبوعا على الإلذاذ بذلك متحملا للأذى من الناس بسببه وناله بمكة شرفها الله شيء من المكروه من أجل ذلك فخرج منها إلى مصر وبالغ في الإنكار فزادوا في أذاه وطردته الولاة وكان إذا خاف من البطش وإيقاع الفعل به خلط في كلامه فينسب إلى الجنون فخرج من مصر إلى الإسكندرية وركب البحر متوجها إلى بلاده .
وكان قد رأى في منامه وهو في بلاد المشرق كأنه شرب ماء البحر جميعه كرتين فلما ركب السفينة شرع في تغيير المنكر على أهل السفينة وألزمهم إقامة الصلوات وقراءة أحزاب من القرآن العظيم ولم يزل على ذلك حتى انتهى إلى المهدية من أرض إفريقية وكان ملكها يومئذ يحيى بن تميم بن المعز بن باديس الصنهاجي وذلك في سنة خمس وخمسمائة هكذا ذكره ابن أخيه أبو محمد عبد العزيز بن شداد بن تميم الصنهاجي في كتاب الجمع والبيان في أخبار القيروان وقيل إن ارتحال محمد بن تومرت عن بلاد المشرق كان سنة عشر وخمسمائة واجتيازه بمصر كان سنة إحدى عشرة بعدها والله أعلم بالصواب .
ولما انتهى إلى المهدية نزل بمسجد مغلق وهو على الطريق وجلس في طاق شارع إلى المحجة ينظر إلى المارة فلا يرى منكرا من آلة الملاهي أو أواني الخمر إلا نزل إليها وكسرها فتسامع الناس به في البلد فجاؤوا إليه