@ 194 @ إلى بعض الأحبة من فاس بقصد المذاكرة في النازلة فأجبته عنها بما نصه اعلم حفظك الله أن ما أجاب به سادتنا فقهاء فاس من حرمتها ووجوب تخلي المخزن عن بيعها هو الحق الذي لا محيد عنه لما اشتملت عليه تلك الأعشاب من المفاسد العديدة التي كل واحدة منها كافية في الجزم بحرمتها وقد بينا شيئا من ذلك في كتاب الاستقصاء عند الكلام على حدوثها ودخولها لبلاد المغرب أيام المنصور السعدي فلينظره من أراده فإنه كاف في هذا الباب وأما ما أشار إليه الكتاب الشريف من أن مصلحة احتياز المخزن لها واستبداده ببيعها هي التضييق على مستعمليها حتى لا يتناولها منهم إلا الملي بثمنها دون الفقير الخ فهي مصلحة موهوبة أو معدومة لجزمنا بأن الحامل لمتعاطيها على استعمالها إنما هو التبذل وقلة المروءة ورقة الديانة وخسة النفس وسقوط الهمة كما أن الوازع لمن لم يتعاطاها إنما هو كمال المروءة ومتانة الديانة وشرف النفس وعلو الهمة لا فقدان ذلك الثمن التافه كيف لا وهي لا يتعاطاها في الغالب إلا الفقراء المقلون فمصلحة التضييق عليهم في ثمنها مفقودة كما ترى وإذا كان كذلك فالواجب شرعا ومروءة هو تنزيه منصب الإمامة الإسلامية والخلافة النبوية التي هي أهم الخطط الدينية والمناصب الشرعية عن التجارة فيها وتطهير تلك الساحة الكريمة من التلوث بأقذارها إذ لا يناسب ذلك حال مطلق المسلمين فكيف بجناب أمير المؤمنين وأيضا ففي تناول ذلك الجناب لها بالتجارة والاستبداد بالربح تهييج للعامة عليها وإغراء لهم بتعاطيها كما قرره علماء فاس حفظهم الله ولو نهوا عنها لما انتهوا بل ربما احتجوا بأنها لو كانت حراما ما احتازها المخزن واستبد بربحها ومن العادة المقررة أنه لا يمتثل إلا قول الممتثل ولا يؤتمر إلا بأمر المؤتمر ولما انبرم الصلح بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش يوم الحديبية وأمر أصحابه أن ينحروا ويحلقوا أمسكوا ولم يفعلوا حتى قال ذلك ثلاث مرات فلما لم يقم منهم أحد قام صلى الله عليه وسلم فدخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس فقالت أم سلمة رضي الله عنها يا نبي الله اخرج ثم لا تكلم منهم أحدا كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيلحقك فخرج صلى الله عليه وسلم