@ 187 @ الفقه أيضا إذ كل سياسة لا تستضيء بنور الشرع فهي ضلال فنقول لا يخفى أن النصارى اليوم على غاية من القوة والاستعداد والمسلمون لم الله شعثهم وجبر كسرهم على غاية من الضعف والاختلال وإذا كان كذلك فكيف يسوغ في الرأي والسياسة بل وفي الشرع أيضا أن ينابذ الضعيف القوي أو يحارب الأعزل الشاكي السلاح وكيف يستجاز في الطبع أن يصارع المقعد القائم على رجليه أو يعقل في النظر أن تناطح الشاة الجماء الشاة القرناء كما قال الشاعر .
( أهم بأمر الحزم لو أستطيعه % وقد حيل بين العير والنزوان ) .
فالمحاربة على هذا الوجه مما لم تقل به سياسة ولا وردت به شريعة فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خير الخلق عند ربه وأكرمهم لديه قد صالح المشركين يوم الحديبية صلحا قال فيه بعض كبار الصحابة رضوان الله عليهم نحن المسلمون فكيف نعطي الدنية في ديننا ورد أبا جندل رضي الله عنه إلى المشركين وهو يرسف في قيوده ويصرخ بأعلى صوته يا معشر المسلمين كيف أرد إلى المشركين يفتنونني في ديني والقصة مشهورة لا حاجة إلى التطويل بها وقد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب أن يعطي عيينة بن حصن والحارث بن عوف وهما قائدا غطفان ثلث تمر المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه حتى رده عن ذلك سعد بن معاذ وسعد بن عبادة رضي الله عنهما حين أحسوا من أنفسهم بمقاومة العدو وأين نحن منهم دينا ويقينا وبصيرة وثباتا في الحرب وقد أفتى الفقهاء رضوان الله عليهم لأجل هذا الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بجواز عقد الهدنة مع الكفار على إعطاء المال انظر المختصر وغيره فإذا كان إعطاء المال مجانا جائزا عند الضرورة فكيف لايجوز إعطاء بعض المتمولات بأثمانها التي لها بال وأيضا فهؤلاء الأجناس إنما دعونا في ظاهر الأمر إلى السلم لا إلى الحرب وغاية مطلوبهم في هذه النازلة الاستكثار من ضروب المتاجرة التي ينشأ عنها في الغالب كثرة المازجة بيننا وبينهم ولعمري أن في اختلاطهم بنا وممازجتهم لنا لمضرة وأي مضرة وما يعقلها إلا العالمون ولكنها تستصغر بالنسبة إلى