@ 87 @ .
وتخوفوا معرته في مالهم وأولادهم لأنهم كانوا قد أحسوا بشدة شوكته فوعدهم السلطان رحمه الله بأن يمدهم ويحامي عنهم ولا يدخر عنهم شيئا من العدد والعدد حتى يعذر فيهم وفي غيرهم ثم إن العدو ارتحل من الفنيدق بعد نحو عشرة أيام وتقدم نحو تطاوين وكان الناس قبل هذا لا يدرون أين هو قاصد ولما ارتحل من الفنيدق عرفوا أنه قاصد تطاوين فنزل بموضع يقال له النيكرو فأقام هنالك نحو ثمانية أيام والقتال على حاله المتقدم غير أن العدو كان في مادة قوية من البر والبحر يصل إليه من سبتة وغيرها كل ما يحتاج إليه من طعام وعلف وأرز وشعير وبقسماط وغير ذلك حتى أنه كان إذا ارتحل ترك من ذلك فضلة كثيرة يتعيش فيها ضعفاء أهل تلك الناحية وكان ذلك مكيدة مقصودة عنده يظهر بها القوة والرفاهية وكان شذاذ المتطوعة من أهل البادية يهجمون على معسكره بالليل ويجلبون منه البغال والنيران ويصبحون بها في تطاوين وغيرها وكان ضعفاء العقول من العامة يستحسنون ذلك وينشطون له ويرون أنهم قد صنعوا شيئا مع أن ذلك لا عبرة به في جنب ما كان يستولي عليه العدو من الأرض ويتقدم به في نحر المسلمين وهم يتأخرون والحاصل أن المسلمين لم يكونوا يقاتلونه على ترتيب مخصوص وهيئة منضبطة إنما كانوا يقاتلونه وهم متفرقون أيدي سبا فإذا حان المساء تفرقوا إلى محالهم في غير وقت معلوم وعلى غير تعبية فكان قتالهم على هذا الوجه لا يجدي شيئا وكان العدو يقاتل بالصف وعلى ترتيب محكم وكانت عنايته بما يستولي عليه من الأرض ويرى تقدمه إلى أمام وتأخر المسلمين بين يديه إلى خلف هزيمة عليهم .
وقد ذكر ابن خلدون في فصل الحروب قتال أهل المغرب الذي هو المطاردة بالكر والفر وعابه فقال وصفة الحروب الواقعة بين أهل الخليفة منذ أول وجودهم على نوعين نوع بالزحف صفوفا ونوع بالكر والفر أما الذي بالزحف فهو قتال العجم كلهم على تعاقب أجيالهم وأما الذي بالكر والفر فهو قتال العرب والبربر من أهل المغرب وقتال الزحف أوثق وأشد