@ 170 @ .
درء الحدود بالشبهات والتماس التأويل وقبول العذر حتى لقد حكى عنه أنه ما اعتمد البطش بأحد وتصدى لنكبته لغرض نفساني أو لحظ دنيوي وحسبك من حلمه ما قابل به الخارجين عليه .
قال صاحب الجيش لما عزمت على الخروج من فاس أيام الفتنة لملاقاة السلطان المولى سليمان بقصر كتامة جئت إلى القاضي أبي الفضل عباس بن أحمد التاودي لأودعه فكان من جملة ما أوصاني به قال قل لمولانا السلطان يقول لك عباس إنا نخاف إذا ظفرت بهؤلاء الظلمة أن تصفح عنهم فلما اجتمعت بالسلطان أبلغته مقالة القاضي فقال كيف أصفح عنهم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي عزيز لا أتركك تمسح سبلتك بمكة وتقول خدعت محمدا مرتين فلما فتح الله عليه فاسا كان جوابه أن قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين بل تعجل بالخروج منها مخافة أن يغريه بعض بطانته بأحد منهم فلعمري لقد صدق من قال إن التخلق يأتي دونه الخلق .
وأما الدين والتقوى فذلك شعاره الذي يمتاز به ومذهبه الذي يدين الله به من أداء الفريضة لوقتها المختار حضرا وسفرا وقيام رمضان وإحياء لياليه بالإشفاع ينتقي لذلك الأساتيذ ومشايخ القراء ويجمع أعيان العلماء لسرد الحديث الشريف وتفهمه والمذاكرة فيه على مر الليالي والأيام ويتأكد ذلك عنده في رمضان ويشاركهم بغزارة علمه وحسن ملكته ويتناول راية السبق في فهم المسائل التي يعجز عنها غيره فيصيب المفصل ويواظب على صيام الأيام المستحبة من كل شهر ويعظم العلماء الذين هم ورثة الأنبياء ويرفع مناصبهم على سائر رجال دولته ويجري عليهم الأرزاق ويعطيهم الدور المعتبرة والضياع المغلة ويحسن مع ذلك إلى من دونهم في المرتبة من المدرسين وطلبة العلم ويؤثر المعتنين منهم وذوي الفهم بمزيد البروتضعيف الجراية حتى لقد تنافس الناس في أيامه في اقتناء العلوم وانتحال صناعتها لاعتزاز العلم وأهله في دولته وسعة أرزاقهم