@ 27 @ الثمانين وتسعمائة وأنا يومئذ مراهق أو بالغ الحلم لا همة لي إلا في العلم فأقمت بفاس نحو خمس سنين إلى أن جاء النصارى إلى وادي المخازن فدهش الناس واستشرت أخا من الطلبة فدلني على الخروج إلى البادية حتى ينجلي نهار الأمن فخرجت إلى كريكرة فحفظت فيها الرسالة وقد كنت ما حصلت بفاس إلى النحو ثم رجعت إلى فاس بعد أن زال الدهش بهزيمة النصارى وولاية المنصور والنحو صنعتي وفي الفقه رغبتي .
وقد كنت في الخرجة الأولى إلى البادية زرت قبر الشيخ أبي يعزى رضي الله عنه فطلبت الله عنده أن أكون من الراسخين في العلوم بأسرها وتوبة يتقبلها فما دار علي الحول إلا وأنا بزاوية الشيخ أبي عبد الله سيدي محمد بن مبارك الزعري لا عن قصد لكوني إذ ذاك مولعا بالعلم أما طريق الفقر فلا تخطر لي ببال لأن المعتمد يومئذ في فقراء الوقت أخلاق الضلال فكنت أشد الناس حذرا منهم إلى أن انكشف الستر فرأيت ما رأيت ووعيت فصاحبت شيخي الذي لولاه مع فضل الله لهلكت ولولا هدايته بإذن الله لضللت أعني أبا عبد الله مولاي محمد بن مبارك الزعري القبيل الجراري السبيل وهو رضي الله عنه من قبيلة عرب بالمغرب يقال لهم زعير بصيغة التصغير والنسب إليها زعرى على التكبير وهي قبيلة من عرب السوس بالمغرب الأقصى قال فبقيت في صحبة شيخي المذكور نحوا من ثمان عشرة سنة وما فارقته إلا عن أمره إذ هو الذي وجهني إلى بلدي سجلماسة من غير اختيار قائلا لي صلاحهم فيك ثم ناولني عصاه وبرنسه ونعله من غير طلب مني لشيء من ذلك وجعل في رأسي قلنسوة كالخرقة بيده اليمنى عند الوداع فلما استوطنت بلدي عن إذنه زرته منه إحدى عشرة مرة وفي الأخيرة منها وذلك بعد مقفلي من الحجة الأولى التي كانت سنة اثنتين بعد الألف دعا لي بقوله بلاك الله أكثر مما بلاني فتأولتها بإقبال الخلق كما ترى وقد صاح عندها صيحة عظيمة لم أر مثلها منه منذ