@ 184 @ رسالة واعتماده في الاستدلال فيها على أن الكرنتينة من جملة الفرار من القضاء وقال الحنفي بإباحتها واستدل على ذلك من الكتاب والسنة أيضا فلما وقفت على هذا الكلام تجدد لي النظر في حكم هذه الكرنتينة وظهر لي أن القول بإباحتها أو حرمتها منظور فيه إلى ما اشتملت عليه من مصلحة ومفسدة ولو مرسلة على ما هو المعروف من مذهب مالك رحمه الله ثم يوازن بينهما وأيتهما رجحت على الأخرى عمل عليها فإن استوتا كان درء المفسدة مقدما على جلب المصلحة كما هو معلوم في أصول الفقه ونحن إذا أمعنا النظر في هذه الكرنتينة وجدناها تشتمل على مصلحة وعلى مفسدة أما المصلحة فهي سلامة أهل البلد المستعملين لها من ضرر الوباء وهذه المصلحة كما ترى غير محققة بل ولا مظنونة لأنه ليست السلامة مقرونة بها كما يزعمون وأنه مهما استعملها أهل قطر أو بلد إلا ويسلمون لا دائما ولا غالبا بل الكثير أو الأكثر أنهم يستعملونها ويبالغون في إقامة قوانينها ثم يصيبهم ما فروا منه كما هو مشاهد ومن زعم أن السلامة مقرونة بهذا دائما أو غالبا فعليه البيان إذ البينة على المدعي فنتج من هذا أن مصلحة الكرنتينة مشكوكة أو معدومة وإذا كانت كذلك فلا يلتفت إليها شرعا بل ولا طبعا لأنها حينئذ من قبيل العبث وأما المفسدة فهي دنيوية ودينية أما الدنيوية فهي الإضرار بالتجار وسائر المسافرين إلى الأقطار بحبسهم وتسويقهم عن أغراضهم وتعطيل مرافقهم على أبلغ الوجوه وأقبحها كما هو معلوم وأما الدينية فهي تشويش عقائد عوام المؤمنين والقدح في توكلهم وإيهام أن ذلك دافع لقضاء الله تعالى وعاصم منه وناهيك بهما مفسدتين محققتين ترتكبان لشيء يكون أو لا يكون فإن العامة لقصور أفهامهم قد تذهب أوهامهم مع هذه الظواهر فيقفون معها ويقعون في ورطة ضعف الإيمان عياذا بالله فإن قلت هذا الكلام فيه ميل إلى سوء الظن بالعامة وهم جمهور الأمة قلت ليس فيه ميل إلى سوء الظن بهم وإنما فيه تقرير الخوف عليهم والاحتياط لهم حتى لا نتركهم هملا يفعلون ما شاؤوا أو يفعل بهم ما يضرهم في دينهم ودنياهم مع أن سد الذريعة قاعدة من قواعد الشرع لا سيما في المذهب