@ 135 @ .
ولما أراد المنصور أن يشرع فيه أحضر أهل العلم ومن يتسم بالصلاح فتحينوا أوان الابتداء ووقت الشروع فيه فكان ابتداء الشروع في تأسيسه في شوال خامس الأشهر من خلافته سنة ست وثمانين وتسعمائة واتصل العمل فيه إلى سنة اثنتين وألف ولم يتخلل ذلك فترة وحشد له الصناع حتى من بلاد الإفرنجية فكان يجتمع كل يوم فيه من أرباب الصنائع ومهرة الحكماء خلق عظيم حتى كان ببابه سوق عظيم يقصده التجار ببضائعهم ونفائس أعلاقهم وجلب له الرخام من بلاد الروم فكان يشتريه منهم بالسكر وزنا بوزن على ما قيل .
وكان المنصور قد اتخذ معاصر السكر ببلاد حاحة وشوشاوة وغيرهما حسبما ذكره الفشتالي رحمه الله في المناهل .
وأما جبصه وجيره وباقي أنقاضه فإنها جمعت من كل جهة وحملت من كل ناحية حتى أنه وجدت بطاقة فيها أن فلانا دفع صاعا من جير حمله من تنبكتو وظف عليه في غمار الناس .
وكان المنصور مع ذلك يحسن إلى الأجراء غاية الإحسان ويجزل صلة العارفين بالبناء ويوسع عليهم في العطاء ويقوم بمؤن أولادهم كي لا تتشوف نفوسهم وتتشعب أفكارهم .
وهذا البديع دار مربعة الشكل وفي كل جهة منها قبة رائقة الهيئة وأحتف بها مصانع أخر من قباب وقصور ودور فعظم بذلك بناؤه وطالت مسافته ولا شك أن هذا البديع من أحسن المباني وأعجب المصانع يقصر عنه شعب بوان وينسى ذكر غمدان ويبخس الزهراء والزاهره ويزري بقباب الشام وأهرام القاهرة وفيه من الرخام المجزع والمرمر الأبيض والأسود ما يحير الفكر ويدهش النظر وكل رخامة طلي رأسها بالذهب الذائب وموه بالنضار الصافي وفرشت أرضه بالرخام العجيب النحت الصافي البشرة وجعل في أضعاف ذلك الزليج المتنوع التلوين حتى كأنه خمائل الزهر أو برد موشى من عمل صنعاء وتستر وأما سقوفه فتجسم فيها الذهب وطليت الجدرات به مع بديع النقش ورائق الرقم بخالص الجبص فتكاملت فيه المحاسن وأجرى بين قبابه