والأعراض لا تخلو من أحد أمرين إما محدث ظهر إلى الكون بغير علة ولا سبب جعله مقدما لأجرائه فيكون ذلك المحدث عنه أو يكون حدثها ظهر عن علة وسبب تقدمها فرأيت مدار قول هذه الفرقة فيما به تعلقت وإليه رجعت أن المخترعات أفعالها وأقوالها لله الواحد القهار فلم أدفع الأصل فيما إليه أشارت ودخلت الشبهة عليهم إذ لم يفرقوا بين ما أحدثه المحدث من الخير والشر والهدى لمن اهتدى والغي لمن غوى فدخلت عليهم هذه العلة الجامعة من المختلفات من أفعاله المحدثات بين ذواتها وهيئاتها والعذب للفرات والملح الأجاج والحسن والقبيح والعدل والجور والخبيث والطيب وما فرف بين ذلك إذ يقول وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج وقال هل يستوي الأعمى والبصير وقال أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها وقال مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا وقال لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فرأيت الله وإن كان هو منشئ الأشياء بسبب وبغير سبب قد فضل خلقه بين منشآته وبين ذلك في آياته فذهب على هذه الفرقة ما فضل الله به بعض الأشياء على بعض وكل ذلك بأمره قد نفذ فيه حكمه وبرئ من عاره وإثمه وغاب عنها إحداث الله للخلق على طبائع مختلفة ودواع متباينة إذ طبع النفوس أرضية بشرية مطالبة بحاجتها وشهواتها وطبع الروح نزهة تطالب بصفائها وتقتضي شرف علوها وجعل العقل سراجا بينهما كل ينازعه ويجذبه إليه ليستعين به فيما يطلبه من حظه فمن غلب عليه منها أداه ذلك إلى ملك القلب فمتى ملك القلب أحدهما فإن كان ذلك تأثير العقل انقادت له الجوارح ثم رأيت النفس وإن كان طبعها العاجلة في فعل ذلك بها تأثيرا لها وما طبع عليه من قبول الانفعال وكذلك للروح تأثير انفعالها فيما فعل فيه ورأيت سلطان النفس الهوى ووزيرها الجهل وفعلها الجور ورأيت ذلك كله وإن كان في قبضة التدبير وسلطان القهر خارجا من الجبر