فرقة أخرى زهد المحب في الجنة دون الدنيا حذرا من أن يقول له حبيبه يا محب أي شيء تركت لي فيقول تركت لك الدنيا فيقول وما قدر الدنيا فيقول يا رب قدرها جناح بعوضة فيلحقه من الحياء من الله أن يقول له تركت لك ما قدره جناح بعوضة ولكن تعلم يا رب أني لم أعبدك إلا بثواب الجنة فقط لا أريد منك غير ذلك وما الجنة مع ذكرك فزهد المحب الصادق في الدنيا هو الزهد في الإخوان الذين يشغلون عن الله فقد زهد فيهم لعلمه بما يلحقه من الآفات عند مشاهدتهم فزهده فهيم على علم بهم .
أخبرنا محمد بن أحمد وحدثني عنه عثمان بن محمد قبل أن لقيته ثنا أبو العباس بن مسروق قال سمعت الحارث بن أسد يقول من عدم الفهم عن الله فيما وعظ لم يحسن أن يستجلب وعظ حكيم ومن خرج من سلطان الخوف إلى عزة الأمن اتسعت به الخطا إلى مواطن الهلكة فكشفت عنه ستر العدالة وفضحته شواهد العزة فلا يرى جميلا يرغب فيه ولا قبيحا يأنف عنه فتبسط نفسه إلى ري الشهوات ولا تميل إلى لذيذ الراحات فيستولي عليه الهوى فينقص قدره عند سيده ويشين إيمانه ويضعف يقينه .
أخبرنا محمد بن أحمد وحدثني عنه عثمان ثنا أبو العباس بن مسروق قال سئل الحارث بن أسد عن الزهد في الدنيا قال هو عندي العزوف عن الدنيا ولذاذتها وشهواتها فتنصرف النفس ويتعزز الهم وانصراف النفس ميلها إلى ما دعا الله إليها بنسيان ما وقع به من طباعها واعتزاز الهم الانقطاع إلى خدمة المولى يضن بنفسه عن خدمة الدنيا مستحيا من الله أن يراه خادما لغيره فانقطع إلى خدمة سيده وتعزز بملك ربه فترحل الدنيا عن قلبه ويعلم أن في خدمة الله شغلا عن خدمة غيره فيلبسه الله رداء عمله ويعتقه من عبوديتها واعتز أن يكون خادما للدنيا لعزة العزيز الذي أعزه بالإعتزاز عنها فصار غنيا من غير مال وعزيزا من غير عشيرة ودرت ينابيع الحكمة من قلبه ونفدت بصيرته وسمت همته ووصل بالوهم إلى منتهى أمنيته فترقى وارتفع ووصل إلى روح الفرج من هموم الأطماع وعذاب