[ 978 ] ملك أظهر (1) عليه بأمره تعالى، وأوحى الله تعالى به إليه، فإذا علم صدقه في دعواه بظهور مثل هذا الكلام البليغ الذي يعجز عنه المبعوث إليه، وحبسه عن مثله، وعما يقاربه فكان ناقضا للعادة، كان (2) معجزا دالا على صدقه، ولم يضرنا في ذلك أن يكون تعالى تكلم به من قبل، إذا لم تجر عادته تعالى في إظهاره على أحد غيره. (3) فصل وقولهم: " إنه مركب من جنس مقدور العباد " لا يقدح (4) في كونه ناقضا للعادة ولا في كونه معجزا، لان الاعجاز فيه هو من جهة البلاغة، وفيها يقع التفاوت بين البلغاء. ألا ترى أن الشعراء والخطباء يتفاضلون في بلاغتهم، في شعرهم وخطبهم ؟ فصح أن يكون في الكلام ما يبلغ حدا في البلاغة ينتقض به العادة في بلاغة البلغاء من العباد. يبين ذلك أن البلاغة في الكلام البليغ لا تحصل بقدرة القادر على إحداث الحروف المركبة، وإنما تظهر بعلوم المتكلم بالكلام البليغ، وتلك العلوم لا تحصل للعبد باكتسابه، وإنما تحصل له من قبل الله تعالى ابتداءا، وعند اجتهاد العبد في استعمال ما يحصل عنده، وتلك العلوم من قبله تعالى. وقد أجرى الله سبحانه عادته فيما (5) يمنحه العباد من العلوم بالبلاغة، فلا يمنح من ذلك إلا مقدارا يتقارب (6) فيه بلاغة البلغاء (7) فيتفاوتون في ذلك بعد تقارب بلاغاتهم (8). ________________________________________ 1) " يظهر " خ ل، والبحار. 2) " فكان " م، والبحار. 3) عنه البحار: 92 / 125. 4) قدح في عرضه: طعن فيه وعابه وتنقصه. 5) " فيها " خ ل. وفي البحار بلفظ " بمنح العبد من العلوم للبلاغة ". 6) " تتفاوت " البحار. 7) " بعضهم عن بعض " البحار. 8) " بقدر تفاوت بلاغتهم " البحار. [ * ] ________________________________________