[390] فكل ما جاء عن هذين الطريقين فهو الحق الصراح الذي لا جدال فيه ولا مرية. وكل ما جاء عن غير هذين الطريقين فهو عرضة للنقد والتقويم، والاستحسان، والاستهجان، والتعديل والتجريح. ولعل القارئ الحصيف قد وقف على ما أعنيه من هذه المقالة، وهو أن هذه الكلمات الحكمية التي كان يفتتح بها هذا الصحابي الجليل مجالسه كان يقصد بها أمرا عظيما في مجال " التشريع الاسلامي " وهو العكوف على الكتاب والسنة. أما الكتاب: فهو واضح ظاهر متفق على ألفاظه وترتيبه اتفاقا توقيفيا لا جدال فيه، وأما السنة: فينبغي أن تؤخذ بالتواتر عن الثقات الذين لا يتواطأون على الكذب على رسول الله. وشئ آخر يجمل بنا أن نستخلصه من هذه الكلمات الصادقة الحكيمة هو أن هذين المصدرين قد ارتفعا عن مقام النقد والتقويم والتعديل والتجريح، وأن ما سواهما ينبغي أن يخضع لميزان النقد وأن نحكم فيه عقولنا، وأن نزنه بموازين الكلام، حتى نمير سقيمه من صحيحه، غثه من سمينه، صريحه من مزيفه. ونحن في أبان ذلك لا يهولنا أمر المتكلم مهما بلغت منزلته من المجتمع ومكانته من الناس، لان المعنى عندنا هو الحقيقة، وكلمة الحق، وليس شئ أكثر من هذا ن ولو كان ذلك المتكلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله: ذلك لان " الصحابة " رضي الله عنهم مهما بلغوا من درجة العدالة والضبط والدقة في المحافظة على ألفاظ الرسول وعباراته، فإنه يجوز عليهم ما يجوز على سائر البشر من حيث الخطأ والنسيان، فمنهم المعيب، والمخطئ، ومنهم صحيح الذاكرة والنساء، ومنهم خالص القصد والعقيدة ومن في عقيدته دخل أو زيغ، ومنهم الجلة المقربون من حضرة الرسول الاعظم، ومنهم المنافقون والخارجون عن الجماعة بنص القرآن. (وممن حولكم من الاعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق ________________________________________