[518] ألا وإنها قد تصرمت وآذنت بانقضاء (7) وتنكر معروفها وأصبحت مدبرة مولية فهي تهتف بالفناء وتصرخ بالموت قد أمر منها ما كان حلوا، وكدر منها ما كان صفوا، فلم يبق منها إلا شفافة كشفافة الاناء وجرعة كجرعة الاداوة لو تمززها الصديان لم تنقع غلته (8) فأزمعوا عباد الله على الرحيل عنها (9) وأجمعوا متاركتها فما من حي يطمع في بقاء، ولا نفس إلا وقد أذعنت للمنون، ولا يغلبنكم الامل، ولا يطل عليكم الامد فتقسوا قلوبكم، ولا تغتروا بالمنى وخدع الشيطان وتسويفه، فإن الشيطان عدوكم حريص على إهلاككم تعبدوا لله - عباد الله - أيام الحياة، فوالله لو حننتم حنين ________________________________________ (7) ومن قوله: " ألا وإنها - إلى قوله: - ما جزت أعمالكم حق نعمة الله عليكم " رواه في المختار: (52) من خطب نهج البلاغة باختصار واختلاف طفيف في بعض الالفاظ وبين المعقوفين مأخوذ منه، وكذلك في الحديث الثاني من المجلس: (20) من أمالي الشيخ المفيد - رحمه الله - ص 102. (8) الشفافة: بقية الماء في الاناء. والجرعة - مثلثة الجيم -: البلعة من الماء - ويعبر عنها أهل بلادنا " بيك كلب " - والاداوة قيل: هي المطهرة أي الماء الذي يتطهر به. وتمززها: أمتصها قليلا قليلا. والصديان: العطشان. ويقال: " نقع الماء عطشه - من باب منع - نقعا ": سكنه وقطعه. والغلة - بضم الغين -: العطش الشديد. (9) فأزمعوا: فأعزموا. وفي النهج: " فأزمعوا عباد الله الرحيل عن هذه الدار المقدور على أهلها الزوال، ولا يغلبنكم فيها الامل، ولا يطولن عليكم الامد، فوالله لو حننتم حنين الوله العجال، ودعوتم بهديل الحمام وجأرتم جوآر متبتل الرهبان.. " ________________________________________