[334] تكون لها أي عبرة، فدحضا لدعوة الباطل، وسحقا لشره الاستعباد. وكان ابن هند الجاهل بنفسه - والانسان على نفسه بصيرة - برى نفسه أحق بالخلافة من عمر كما جاء في ما أخرجه البخاري في صحيحه (1) عن عبد الله بن عمر قال: دخلت على حفصة ونسوانها تنطف قلت: قد كان من أمر الناس ما ترين فلم يجعل لي من الأمر شيئ. فقالت: إلحق فإنهم ينتظرونك وأخشى أن يكون في احتباسك عنهم فرقة. فلم تدعه حتى ذهب. فلما تفرق الناس خطب معاوية (2) قال: من يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع لنا قرنه، فلنحن أحق به منه ومن أبيه. قال خبيب بن مسلمة فهلا أجبته ؟ قال عبد الله: فحللت حبوتي وهممت أن أقول: أحق بهذا الأمر منك من قاتلك وأباك على الاسلام. فخشيت أن أقول كلمة تفرق بين الجمع وتسفك الدم ويحمل عني غير ذلك فذكرت ما أعد الله في الجنان. قال خبيب: حفظت وعصمت ؟ أين كان ابن عمر عن هذه العقلية التي حفظ بها وعصم يوم تقاعس عن بيعة أمير المؤمنين الإمام الحق بعد إجماع الأمة المسلمة عليها، ولم يخش أن يقول كلمة تفرق بين الجمع وتسفك الدم ؟ ففرق الجمع، وشق عصا المسلمين، وسفكت دماء زكية، والله من ورائهم حسيب. ولم تكن الخلافة فحسب هي قصوى الغاية المتوخاة لمعاوية بل ينبأنا التاريخ عن إنه لم يك يتحاشا عن أن يعرفه الناس بالرسالة ويقبلونه نبيا بعد نبي العظمة، روى ابن جرير الطبري بالإسناد: إن عمرو بن العاص أوفد إلى معاوية ومعه أهل مصر فقال لهم عمرو: انظروا إذا دخلتم على ابن هند فلا سلموا عليه بالخلافة فإنه أعظم لكم في عينه، وصغروه ما استطعتم، فلما قدموا عليه قال معاوية لحجابه: إني كأني أعرف ابن النابغة وقد صغر أمري عند القوم فانظروا إذا دخل الوفد فتعتعوهم أشد تعتعة تقدرون عليها، فلا يبلغني رجل منهم إلا وقد همته نفسه بالتلف، فكان أول من دخل عليه رجل من أهل مصر يقال له: ابن الخياط. فدخل وقد تعتع فقال: السلام عليك يا رسول الله ! ________________________________________ (1) في كتاب المغازي، باب غزوة الخندق ج 6: 141. (2) قال ابن الجوزي: كان هذا في زمن معاوية لما أراد أن يجعل ابنه يزيد ولي عهده. راجع فتح الباري 7: 323. ________________________________________