[62] أم كان يراه تاركا الجبن واللحم والجمعة والتزويج كعامر بن عبد قيس القارئ الزاهد المتعبد ؟. أم كان الإمام متكلما بألسنة الشياطين غير عاقل ولا دين كصلحاء الكوفة المنفيين ؟. حاشا صنو النبي الأقدس عن أن يرمى بسقطة في القول أو في العمل بعد ما طهره الجليل، واتخذه نفسا لنبيه، واختارهما من بين بريته نبيا ووصيا. وحاشا أولئك المنفيون من الصحابة الأولين الأبرار والتابعين لهم بإحسان عن تلكم الطامات والأفائك والنسب المفتعلة. نعم كان يرى الرجل كلا من أولئك الصفوة البررة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر طاغيا إتخذ عليا عليه السلام سلما ويعده كهفا وملجأ يدافع عنهم بوادر غضب الخليفة، ويحول بينهم وبين ما يرومه من عقوبة تلك الفئة الصالحة الناقمة عليه لما ركبه من النهابير، فدفع هذا المانع الوحيد عن تحقق هواجس الرجل كان عنده أولى بالنفي من أولئك الرجال المنفيين، ولولاه لكان يشفي عنهم غليله، ويتسنى له ما كان يبتغيه من البغي عليهم، والله يدافع عن الذين آمنوا وإنه على نصرهم لقدير. على أنه ليس من المعقول أن يكون من يأوي إلى مولانا أمير المؤمنين وآواه هو طاغيا كما يحسبه هذا الخليفة، فإنه لا يأوي إلى مثله إلا الصالح الراشد من المظلومين وهو عليه السلام لا يحمي إلا من هو كذلك، وهو ولي المؤمنين، وأمير البررة، وقائد الغر المحجلين، وإمام المتقين، وسيد المسلمين، كل ذلك نصا من الرسول الصادق الأمين وليتني أدري مم كان يغتم عثمان من مكان أمير المؤمنين عليه السلام بالمدينة ؟ ووجوده رحمة ولطف من الله سبحانه وتعالى على الأمة جمعاء لا سيما في البيئة التي تقله، يكسح عن أهلها الفساد، ويكبح جماح المتغلبين، ويقف أمام نعرات المتهوسين، و يسير بالناس على المنهج اللاحب سيرا سجحا. نعم: يغتم به سماسرة النهمة والشره فيروقهم بعاده ليهملج كل منهم إلى غاياته قلق الوضين. وما كان هتاف الناس به يومئذ إلا لأن يقيم أود الجامعة، ويعدل الخطة العوجاء، ويقف بهم على المحجة الواضحة، غير أن ذلك الهتاف لا يروق من لا يروقه ________________________________________