[13] الكوفة يوم كان عليه ما أمر به، فألق مفاتيح بيت المال لما لم يجد من الكتاب والسنة وهو العليم بهما مساغا لهاتيك الإباحة ولا لأثرة الآمر بها، وعلم أنها سوف تتبعها من الأعطيات التي لا يقرها كتاب ولا سنة، فتسلل عن عمله وتنصل، وما راقه أن يبوء بذلك الإثم، فلهج بما علم، وأبدى معاذيره في إلقاء المفاتيح، فغاض تلكم الأحوال داعية الشهوات، وشاخص الهوى الوليد بن عقبة، فكتب في حقه ونم وسعي، فكان من ولائد ذلك أن ارتكب من ابن مسعود ما عرفت، ولم تمنع عن ذلك سوابقه في الاسلام وفضائله وفواضله وعلمه وهديه وورعه ومعاذيره وحججه، فضلا على أن يشكر على ذلك كله، فأوجب نقمة الصحابة على من نال ذلك منه، وإنكار مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وصيحة أم المؤمنين في خدرها، ولم تزل البغضاء محتدمة على هذه وأمثالها حتى كان في مغبة الأمر ما لم يحمده خليفة الوقت وزبانيته الذين جروا إليه الويلات. ولو ضرب المسيطر على الأمر صفحا عن الفظاظة في الانتقام، أو أعار لنصح صلحاء الأمة أذنا واعية، أولم يستبدل بجراثيم الفتن عن محنكي الرجال، أولم ينبذ كتاب الله وسنة نبيه وراء ظهره، لما استقبله ما جرى عليه وعلى من اكتنفه من الوأد والهوان لكنه لم يفعل ففعلوا، ولمحكمة العدل الإلهي غدا حكمها البات. ولابن مسعود عند القوم مظلمة أخرى وهي جلده أربعين سوطا في موقف آخر، لماذا كان ذلك ؟ لأنه دفن أبا ذر لما حضر موته في حجته. وجد بالربذة في ذلك الوادي القفر الوعر ميتا كان في الغارب والسنام من العلم والإيمان. وجد صحابيا عظيما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقربه ويدنيه قد فارق الدنيا. وجد عالما من علماء المسلمين قد غادرته الحياة. وجد مثالا للقداسة والتقوى، فتمثل أمام عينيه تلك الصورة المكبرة التي كان يشاهدها على العهد النبوي. وجد شبيه عيسى بن مريم في الأمة المرحومة هديا وسمتا ونسكا وزهدا وخلقا، طرده خليفة الوقت عن عاصمة الاسلام. وجد عزيزا من أعزاء الصحابة على الله ورسوله وعلى المؤمنين قد أودى على مستوى الهوان في قاعة المنفى مظلوما مضطهدا. ________________________________________