[201] من جسمه فبكى فأوحى الله عز وجل إليه يا يحيى أتبكي مما قد نحل من جسمك، وعزتي وجلالي لو أطلعت الى النار اطلاعة لتدرعت مدرعة الحديد فضلا عن المنسوج فبكى يحيى حتى أكلت الدموع لحم خديه وبدا للنظرين اضراسه فبلغ ذلك امه فدخلت عليه وأقبل زكريا واجتمع مع الاحبار والرهبان فأخبروه بذهاب لحم خديه فقال: ما شعرت بذلك فقال زكريا: يا بني ما يدعوك الى هذا إنما سألت ربي إن يهبك لي لتقر بك عيني قال: أنت أمرتني بذلك يا أبة قال متى وذلك يا بني قال: الست القائل إن بين الجنة والنار لعقبة لا يجوزها إلا الباكون من خشية الله قال: بلى فجد وأجتهد وشأنك غير شأني فقام يحيى فنفض مدرعته فأخذته أمه فقالت: أتأذن لي يا بني إن أتخذ لك قطعتي لبود تواريان اضراسك، وينشفان دموعك فقال لها شأنك فأتخذت له قطعتي لبود تواريان اضراسه تنشفان دموعه فبكى حتى ابتلتا من دموع عينيه فحسر عن ذراعيه ثم أخذها فعصرها فتحدر الدموع من بين أصابعه فنظر زكريا الى ابنه والى دموع عينيه فرفع رأسه الى السماء فقال: اللهم إن هذا ابني وهذه دموع عينيه وأنت أرحم الراحمين، وكان زكريا (ع) إذا أراد أن يعظ بني اسرائيل يلتفت يمينا وشمالا فإن رأى يحيى لم يذكر جنة ولا نارا فجلس ذات يوم يعظ بني اسرائيل، وأقبل يحيى قد لف رأسه بعبائة فجلس في غمار الناس والتفت زكريا يمينا وشمالا فلم ير يحيى فأنشأ يقول: حدثني حبيبي جبرئيل عن الله تبارك وتعالى إن في جهنم جبلا يقال له السكران في أصل ذلك الجبل وادي يقال له الغضبان لغضب الرحمن تبارك وتعالى في ذلك الوادي جب قامته مائة عام في ذلك الجب توابيت من نار، في تلك التوابيت صناديق من نار، وثياب من نار، وسلاسل من نار واغلال من نار فرفع يحيى (ع) رأسه فقال: واغفلتاه من السكران ثم أقبل هائما على وجهه فقام زكريا من مجلسه فدخل على ام يحيى فقال لها: يا ام يحيى قومي فأطلبي يحيى فأني قد تخوفت أن لا تريه إلا وقد ذاق الموت فقامت فخرجت في طلبه حتى مرت بفتيان بني اسرائيل فقالوا لها: يا ام يحيى أين تريدين ؟ قالت: أريد أن أطلب ولدي ذكرت النار بين يديه فهام على وجهه فمضت ام يحيى والفتية معها حتى مرت براعي غنم فقالت له: يا راعي هل رأيت شابا من صفته كذا وكذا فقال لها: لعلك تطلبين يحيى بن زكريا ؟ قالت: نعم ذاك ولدي ذكرت النار بين يديه فهام على وجهه قال: إني تركته الساعة على عقبة ثنية كذا وكذا ناقعا قدميه في الماء رافعا بصره الى السماء يقول: وعزتك يا مولاي لا ذقت ________________________________________