[ 190 ] حدثنى أبو الفرج عبد الواحد بن نصر الكاتب المعروف بالببغاء قال: اعتللت بحلب علة خف منها بدنى كله فكنت كالخشبة لا أقدر أن أتحرك، ونحل جسمي وتقلبت في إغلال متصلة متضادة وأنا من هذا ألقى خلف فراش ثلاث سنين متواليات وآيس الاطباء من برئى، وقطعوا مداواتي وكان لى صديق يعرف بأبى الفرج بن دارم من أهل بلدي يعنى نصيبين مقيم بحلب يلازم عيادتي وكان لفرط اغتمامه بى وان الاطباء أيسوا منى يظهر لى حزنا يؤلم قلبى ويؤيسني من نفسي ويجاوز ذلك إلى التصريح لى باليأس. وتوطيني ثم تعدى هذا إلى أن صار لا يملك دمعته إذا خاطبني فضعفت عن تحمل ذلك، وتضاعفت به علتى وخارت معه قوتي فاعتقدت أن أقول لغلامي أن يترصده فإذا جاء ليدخل على قال له عنى أنى لا أستحسن حجابه، وإن علتى قد تضاعفت بما أشاهده واسمع من خطابه، ويسأله أن ينقطع عنى أو يقطع مخاطبتي بما فيه إياسى، وقررت عزمى على ذلك في ليلة من الليالى ولم أخاطب به غلامي. فلما كان في صببحة تلك الليلة باكرنى ابن أبى دارم فحين وقعت عينى عليه تثاقلت به خوفا من أن يسلك معى مذهبه، وهممت أن أفتتح مخاطبته بما كنت عزمت على مراسلته به فسبقني بأن قال لى: قد جئتك مبشرا فقلت بماذا ؟ قال: رأيت البارحة كأنى بالرقة والناس يهرعون إلى زياة قبور الشهداء. فقال أبو الفرج: وهم ممن قتلوا مع أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه بصفين منهم عمار بن ياسر رضى الله عنه، وحملوا إلى ظاهر الرقة فدفنوا بها والحال في ذلك مشهور والقبور إلى الآن مغشية معمورة، فقال ابن أبى دارم: ورأيت كأن أكثر الناس مطيفون بقبة فسألت عنها. فقيل لى: قبر عمار بن ياسر. فقصدتها وأطلعت فيها فإذا القبر مشكوف وفيه رجل شيخ جالس بثياب بيض وفى رأسه ضربات بينة دامية، وعلى لحيته دم والناس يقولون: هذا عمار بن ياسر. وكأني سلمت عليه والناس يسألونه فيجيبهم. فلحقتني حيرة ولم أدر عما اسأله. فقلت يا سيدى: لعلك عارف بأبى الفرج عبد الواحد بن نصر المخزومى المعروف بالببغاء قال: أنا عارف به. قلت: أتعرف ما به من الجهد والبلاء بالعلة الطويلة ؟ فقال: نعم. قلت: أفيعيش ________________________________________