[ 6 ] كلمة المصحح أما بعد: فلقد كان من امنيتي فيما لو اتيحت لى الفرصة وساعدني التوفيق أن أقوم باحياء هذا التراث القيم النفيس، وبعثه من مرقده، ونفض الغبار عن وجهه، وكشف الغمام عن بدره، لما فيه من فوائد جليلة، ومنافع كثيرة، ولم يسمح أجد إلى المأمول سبيلا، كما أني لم أر في تلك المدة من يقوم بأمره، أو اعتني بشأنه، أو يجنح إلى تصحيحه ونشره، ولا من يحنو عليه لاحيائه، أو يخطو خطوة لاصلاحه، ولا تنهض الهمة بأحد لتحقيقه وطبعه. وكانت المطبوعة الحجرية منه كثيرة الاغلاط، مشوهة الخطوط، محرفة الالفاظ، ومن كثرة السقط والتحريف فيه صار سهلة نقلا، وحزنه جبلا، فقد ينقضى اليوم واليومان ولا يجد الباحث إلى فهم بعض جمله سبيلا ولا إلى المقصود دليلا، وربما يجتهد طيلة ليل يطلب ربط جملتين أو يمضى يوما تاما في فهم عبارتين ولا يرجع إلا بخفي حنين، وقلما يوجد فيه سند سلم من التحريف، بل الغالب على أسانيده الاعضال بالتصحيف، والمظنون عندي أن الشيخ أبا الفرج القناني راوي الكتاب أو الذي أخذ عنه كان ردئ الخط، والناسخون لم يتمكنوا من استخراجه صحيحا، ولذا شاع في النسخة الخطية من هذا الكتاب الابهام والغموض، والمسخ والتحريف والاختلاف، ومصححها - مع كونه من العلماء - مهما جدواجتهد لم يقدر على إصلاح جل أخطاء الكتاب، ومن جراء هذا الامر صار هذا الاثر الثمين متروكا مغفولا عنه، وغار نجمه في ستار سخافة طبعة، وكثرة أغلاطه، وحجبت شمسه بسحاب غموض عباراته وتحريفاته، وسبب ذلك ابتعاد الناس عن دراسته، وانصرافهم عن قراءته، فترك الكتاب مهجورا في زوايا المكتبات، مغمورا في خبايا الغرفات، تراه يتململ تململ السليم، ويستصرخ استصراخ الظليم (1)، (1) السليم: اللديغ أو الجرح الذي أشرف على الهلاك، والظليم: المظلوم. ________________________________________