[ 46 ] على ترك الاولى والاكمل، لا سيما وهذه الواقعة كانت من أحسن ما يتعلق بالحروب و مصالح الدنيا انتهى (1). وقال السيد المرتضى رضي الله عنه في كتاب تنزيه الانبياء: أما قوله تعالى " عفا الله عنك " فليس يقتضي وقوع معصية، ولا غفران عقاب، ولا يمتنع أن يكون المقصد (2) به التعظيم والملاطفة في المخاطبة، لان أحدنا قد يقول لغيره إذا خاطبه: أرايت رحمك الله و غفر الله لك، وهو يقصد إلى الاستصفاح له عن عقاب ذنوبه، بل ربما لم يخطر بباله أن له ذنبا، وإنما الغرض الاجمال في المخاطبة، واستعمال ما قد صار في العادة علما على تعظيم المخاطب وتوقيره، وأما قوله تعالى: " لم أذنت لهم " فظاهره الاستفهام، والمراد به التقرير واستخراج ذكر علة إذنه، وليس بواجب حمل ذلك على العتاب، لان أحدنا قد يقول لغيره: لم فعلت كذا وكذا ؟ تارة معاتبا، واخرى مستفهما، وتارة مقررا، فليست هذه اللفظة خاصة للعتاب والانكار، وأكثر ما يقتضيه وغاية ما يمكن أن يدعى فيها أن تكون دالة على أنه صلى الله عليه وآله ترك الاولى والافضل، وقد بينا أن ترك الاولى ليس بذنب، وإن كان الثواب ينقص معه، فإن الانبياء عليهم السلام يجوز أن يتركوا كثيرا من النوافل، وقد يقول أحدنا لغيره إذا ترك الندب: لم تركت الافضل ؟ ولم عدلت عن الاولى ؟ ولا يقتضي ذلك إنكارا ولا قبيحا (3) انتهي كلامه، زيد إكرامه. أقول: يجوز أن يكون إذنه صلى الله عليه وآله لهم حسنا موافقا لامره تعالى، ويكون العتاب متوجها إلى المستأذنين الذين علم الله من قبلهم النفاق، أو إلى جماعة حملوا النبي صلى الله عليه وآله على ذلك كما مر مرارا، ومن هذا القبيل قوله تعالى: " يا عيسى بن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وامي إلهين من دون الله (4) " ولا تنافي بين كون استيذانهم حراما وإذنه صلى الله عليه وآله بحسب ما يظهرونه من الاعذار ظاهرا واجبا أو مباحا، أو تركا للاولى ________________________________________ (1) مفاتيح الغيب 4 -: 651. (2) في المصدر: أن يكون المقصود به. (3) تنزيه الانبياء: 114. (4) المائدة: 116. [ * ] ________________________________________