[ 54 ] عندها أبصرها بعض العيون فجاؤوا إلى بابها ليدخلوا على ام موسى، فقالت اخته: هذه الحرس بالباب، فطاش عقلها فلم تعقل ما تصنع خوفا عليه، فلفته في خرقة ووضعته في التنور - وهو مسجور - بإلهامه تعالى، فدخلوا فإذا التنور مسجور. وروي أن ام موسى لم يتغير لها لون ولم يظهر لها لبن، فقالوا: ما أدخل عليك القابلة ؟ قالت: هي مصافية لي فدخلت علي زائرة، فخرجوا من عندها فرجع إليها عقلها فقالت لاخت موسى: فأين الصبي ؟ قالت: لا أدري، فسمعت بكاء الصبي من التنور فانطلقت إليه وقد جعل الله النار عليه بردا وسلاما، فاحتملته. وعن ابن عباس قال: انطلقت ام موسى إلى نجار من قوم فرعون فاشترت منه تابوتا صغيرا، فقال لها: ما تصنعين به ؟ قالت: ابن لي أخبؤه فيه، (1) وكرهت أن تكذب فانطلق النجار إلى الذباحين ليخبرهم بأمرها، فلما هم بالكلام أمسك الله لسانه وجعل يشير بيده فلم يدر الامناء، فلما أعياهم أمره قال كبيرهم: اضربوه، فضربوه وأخرجوه، فوقع في واد يهوى فيه (2) حيران، فجعل الله عليه أن رد لسانه وبصره إن لا يدل عليه و يكون معه يحفظه، فرد الله عليه بصره ولسانه، فآمن به وصدقه، فانطلقت ام موسى وألقته في البحر، وذلك بعدما أرضعته ثلاثة أشهر، وكان لفرعون يومئذ بنت ولم يكن له ولد غيرها، وكانت من أكرم الناس عليه، وكان بها برص شديد وقد قالت أطباء المصر والسحرة: إنها لا تبرء إلا من قبل البحر يوجد منه شبه الانسان فيؤخذ من ريقه فيلطخ به برصها فتبرء من ذلك، وذلك في يوم كذا وساعة كذا حين تشرق، فلما كان يوم الاثنين غدا فرعون إلى مجلس كان له على شفير النيل ومعه آسية، فأقبلت بنت فرعون في جواريها حتى جلست على شاطئ النيل مع جواريها تلاعبهن إذ أقبل النيل بالتابوت تضربه الامواج، فأخذوه فدنت آسية فرأت في جوف التابوت نورا لم يره غيرها، للذي أراد الله أن يكرمها، (3) فعالجته ففتحت الباب، فإذا نوره بين عينيه، وقد ________________________________________ (1) أي اخفيه فيه. (2) هوى في الارض: ذهب فيها. (3) علة لرؤيتها دون غيرها. ________________________________________