[347] وصنف صاموا خوفا من أهل الاسلام، وجزعا من العار بترك الصيام، إما للشك أو الجحود أو طلب الراحه في خدمة المعبود، فهؤلاء أموات المعنى أحياء الصورة، وكالصم الذين لا يسمعون داعي صاحب النعم الكثيرة، وكالعميان الذين لا يرون أن نفوسهم بيد مولاهم ذليلة مأسورة، وقد قاربوا أن يكونوا كالدواب بل زادوا عليها، لانها تعرف من يقوم بمصالحها وبما يحتاج إليه من الاسباب. وصنف صاموا لاجل أنهم سمعوا أن الصوم واجب في الشريعة المحمدية صلى الله عليه واله فكان صومهم بمجرد هذه النية من غير معرفة بسبب الايجاب، ولا ما عليهم لله جل جلاله من المنة في تعريضهم لسعادة الدنيا ويوم الحساب، فلا يستبعد أن يكونوا متعرضين للعتاب. وصنف صاموا وقصدوا بصومهم أن يعبدوا الله كما قدمناه لانه أهل للعبادة فحالهم حال أهل السعادة. وصنف صاموا معتقدين أن المنة لله جل جلاله عليهم في صيامهم، وثبوت أقدامهم، عارفين بما في طاعته من إكرامهم، وبلوغ مرامهم، فهؤلاء أهل الظفر بكمال العنايات، وجلال السعادات. أقول: واعلم أن لاهل الصيام [مراقبة] مع استمرار الساعات واختلاف الحركات والسكنات في أنهم ذاكرون أنهم بين يدي الله، وأنه مطلع عليهم، وما يلزمهم لذلك من إقبالهم عليه، ومعرفة حق إحسانه إليهم، فحالهم في الدرجات على قدر استمرار المراقبات، فهم بين متصل الاقبال، مكاشف بذلك الجلال، وبين متعثر بأذيال الاهمال، وناهز من تعثره بامساك يد الرحمة له والافضال، ولا يعلم تفصيل مقدار مراقباتهم وتكميل حالاتهم إلا المطلع على اختلاف إراداتهم، فارحم روحك أيها العبد الضعيف الذي قد أحاط به التهديد والتخويف، وعرض عليه التعظيم والتبجيل والتشريف. فصل (1) فيما نذكره من فضل الخلوة بالنساء، لمن قدر على ذلك أول ليلة من شهر رمضان، ونية ذلك. ________________________________________ (1) كتاب الاقبال: 84. ________________________________________