[346] إصلاح الرعية على إصلاح ذاته، وكيف أخر مقدما وقدم مؤخرا، وخاطر مع المطلع على إرادته. وصنف دخلوا في الصيام بطهارة العقول والقلوب، على [أقدام] المراقبة لعلام الغيوب حافظين ما استحفظهم إياه، فحالهم حال عبد تشرف برضا مولاه. وصنف ما قنعوا لله جل جلاله بحفظ العقول والقلوب والجوارح عن الذنوب والعيوب والقبائح، حتى شغلوها بما وفقهم له من عمل راجح صالح، فهولاء أصحاب التجارة المربحة والمطالب المنجحة. أقول: وقد يدخل في نيات أهل الصيام أخطار بعضها يفسد حال الصيام، و بعضها ينقصه عن التمام، وبعضها يدنيه من باب القبول، وبعضها يكمل له الشرف المأمول، وهم أصناف صنف منهم الذين يقصدون بالصوم طلب الثواب ولولاه ما صاموا ولا عاملوا به رب الارباب، فهؤلاء معدودون من عبيد سوء الذين أعرضوا عما سبق لمولاهم من الانعام عليهم، وعما حضر من إحسانه إليهم، وكأنهم إنما يعبدون الثواب المطلوب، وليسوا في الحقيقة عابدين لعلام الغيوب، وقد كان العقل قاضيا أن يبذلوا ما يقدرون عليه من الوسائل حتى يصلحوا للخدمة لمالك النعم الجلائل. وصنف قصدوا بالصوم السلامة من العقاب، ولو لا التهديد والوعيد بالنار وأهوال يوم الحساب، ما صاموا. فهؤلاء من لئام العبيد، حيث لم ينقادوا بالكرامة ولا رأوا مواليهم أهلا للخدمة، فيسلكون معه سبل الاستقامة، ولو لم يعرفوا أهوال عذابه ما وقفوا على مقدس بابه، فكأنهم في الحقيقة عابدون لذاتهم، ليخلصوها من خطر عقوباتهم. وصنف صاموا خوفا من الكفارات، وما يقتضيه الافطار من الغرامات، و لو لا ذلك ما رأوا مولاهم أهلا للطاعات، ولا محلا للعبادات، فهؤلاء متعرضون لرد صومهم عليهم، ومفارقون في ذلك مراد الله ومراد المرسل إليهم. وصنف صاموا عبادة لا عبادة، وهم كالساهين في صومهم عما يراد الصوم لاحله، وخارجون عن مراد مولاهم ومقدس ظله. فحالهم كحال الساهي واللاهى والمعرض عن القبول والتناهي. ________________________________________