[432] ملكه ونسوه وأطاعوه فيما أمرهم به وأسرعوا إلى الضلالة، فلم يزل على ذلك فنشاء فيه الاولاد وصار لا يعبد الله عزوجل فيهم ولا يذكر بينهم اسمه ولا يحسبون أن لهم إلها غير الملك، وكان ابن الملك قد عاهد الله عزوجل في حياة أبيه إن هو ملك يوما أن يعمل بطاعة الله عزوجل بأمر لم يكن من قبله من الملوك يعملون به ولا يستطيعونه، فلما ملك أنساه الملك رأيه الاول ونيته التي كان عليها، وسكر سكر صاحب الخمر، فلم يكن يصحو ويفيق (1). وكان من أهل لطف الملك رجل صالح أفضل أصحابه منزلة عنده، فتوجع له مما رأى من ضلالته في دينه ونسيانه ما عاهد الله عليه، وكان كلما أراد أن يعظه ذكر عتوه وجبروته ولم يكن بقي من تلك الامة غيره وغير رجل آخر في ناحية أرض الملك لا يعرف مكانه ولا يدعى باسمه. فدخل ذات يوم على الملك بجمجمة قد لفها في ثيابه، فلما جلس عن يمين الملك انتزعها عن ثيابه ثم وطئها برجله فلم يزل يفركها (2) بين يدي الملك وعلى بساطه حتى دنس مجلس الملك بما تحات من تلك الجمجمة، فلما رأى الملك ما صنع غضب من ذلك غضبا شديدا، وشخصت إليه أبصار جلسائه واستعدت الحرس بأسيافهم انتظارا لامره إياهم، بقتله والملك في ذلك مالك لغضبه، وقد كانت الملوك في ذلك الزمام مع جبروتهم وكفرهم ذوي أناة وتؤدة، استصلاحا للرعية على عمارة أرضهم ليكون ذلك أعون للجلب وأدى للخراج، فلم يزل الملك ساكتا على ذلك حتى قام من عنده، فلف تلك الجمجمة في ثوبه، ثم فعل ذلك في اليوم الثاني والثالث فلما رأى أن الملك لا يسأله عن تلك الجمجمة، ولا يستنطقه في شئ من شأنها أدخل مع تلك الجمجمة ميزانا وقليلا من تراب فلما صنع بالجمجمة ما كان يصنع أخذ الميزان وجعل في إحدى كفيته درهما وفي الاخرى بوزنه ترابا ثم جعل ذلك ________________________________________ (1) صحا السكران: ذهب سكره وأفاق. (2) فرك الثوب: دلكه، الشئ عن الثوب أزاله وحكه حتى تفتت. ________________________________________