[431] وخليتم بين لحمي وسباع الطير وحشرات الارض فأكلت مني النملة فما فوقها من الهوام وصار جسدي دودا وجيفة قذرة، الذل لي حليف، والعز مني غريب أشدكم حبا إلي أسرعكم إلى دفني، والتخلية بيني وبين ما قدمت من عملي، أسلفت من ذنوبي، فيورثني ذلك الحسرة، ويعقبني الندامة، وقد كنتم وعدتموني أن تمنعوني من عدوي الضار فإذا أنتم لا منع عندكم ولا قوة على ذلك لكم ولا سبيل لكم، أيها الملا إني محتال لنفسي إذ جئتم بالخداع، ونصبتم لي شراك الغرور (1). فقالوا: أيها الملك المحمود لسنا الذي كنا كما أنك لست الذي كنت، وقد أبد لنا الذي أبد لك، وغيرنا الذي غيرك، فلا ترد علينا توبتنا وبذل نصيحتنا، قال: أنا مقيم فيكم ما فعلتم ذلك ومفارقكم إذا خالفتموه، فأقام ذلك الملك في ملكه وأخذ جنوده بسيرته واجتهدوا في العبادة فخصبت بلادهم وغلبوا عدوهم وازداد ملكهم حتى هلك ذلك الملك، وقد صار فيهم بهذه السيرة اثنين وثلاثين سنة فكان جميع ما عاش أربعا وستين سنة. قال يوذاسف: قد سررت بهذا الحديث جدا، فزدني من نحوه أزدد سرورا ولربي شكرا. قال الحكيم: زعموا أنه كان ملك من الملوك الصالحين وكان له جنود يخشون الله عزوجل ويعبدونه، وكان في ملك أبيه شدة من زمانهم والتفرق فيما بينهم وتنقص العدو من بلادهم، وكان يحثهم على تقوى الله عزوجل وخشيته والاستعانة به ومراقبته والفزع إليه، فلما ملك ذلك الملك قهر عدوه واستجمعت رعيته وصلحت بلاده وانتظم له الملك، فلما رأى ما فضل الله عزوجل به أترفه ذلك وأبطره وأطغاه حتى ترك عبادة الله عزوجل وكفر نعمه، وأسرع في قتل من عبد الله ودام ملكه وطالت مدته حتى ذهل الناس عما كانوا عليه من الحق قبل ________________________________________ (1) الشراك: آلة الصيد. ________________________________________