[ 57 ] دفاع (1) معضلات، دليل فلوات، يقول فيفهم، ويسكت فيسلم، قد أخلص لله فاستخلصه، فهو من معادن دينه، وأوتاد أرضه، قد ألزم نفسه العدل، فكان أول عدله نفي الهوى عن نفسه، يصف الحق ويعمل به، لا يدع للخير غاية إلا أمها (2) ولا مظنة إلا قصدها، قد أمكن الكتاب من زمامه، فهو قائده وإمامه، يحل حيث حل ثقله، وينزل حيث كان منزله. وآخر قد تسمى عالما وليس به، فاقتبس جهائل من جهال، وأضاليل من ضلال، ونصب للناس أشراكا من حبال غرور وقول زور، قد حمل الكتاب على آرائه، وعطف الحق على أهوائه، يؤمن من العظائم، ويهون كبير الجرائم، يقول: أقف عند الشبهات وفيها وقع، ويقول: أعتزل البدع وبينها اضطجع، فالصورة صورة إنسان، والقلب قلب حيوان، لا يعرف باب الهدى فيتبعه، ولا باب العمى فيصد عنه، فذلك ميت الأحياء، فأين تذهبون ؟ وأنى تؤفكون ؟ والأعلام قائمة، والآيات واضحة، والمنار منصوبة. إلى آخر الخطبة. بيان: فاستشعر الحزن أي جعله شعارا له. وتجلبب الخوف أي جعله جلبابا، وهو ثوب يشمل البدن. فزهر أي أضاء. والقرى: الضيافة. فقرب على نفسه البعيد أي مثل الموت بين عينيه. وهون الشديد أي الموت ورضي به واستعد له، أو المراد بالبعيد أمله الطويل، وبتقريبه تقصيره له بذكر الموت. وهون الشديد أي كلف نفسه الرياضة على المشاق من الطاعات، وقيل: اريد بالبعيد رحمة الله أي جعل نفسه مستعدة لقبولها بالقربات وبالشديد عذاب الله فهونه بالأعمال الصالحة، أو شدائد الدنيا باستحقارها في جنب ما اعد له من الثواب. نظر أي بعينه فاعتبر، أو بقلبه فأبصر الحق. من عذب فرات أي العلوم الحقه، والكلمات الحقيقية، وقيل: من حب الله. فشرب نهلا أي شربا أولا سابقا على أمثاله. سبيلا جددا أي لا غبار فيه ولا وعث. والسربال: القميص. والردى: الهلاك وقطع غماره أي ما كان مغمورا فيه من شدائد الدنيا. من إصدار كل وارد عليه أي هداية الناس. وأنى تؤفكون أي تصرفون. ________________________________________ (1) بفتح الدال وتشديد الفاء: كثير الدفع. (2) أي قصدها. ________________________________________