[58] بدلالة العين أن مدبر الارض هو مدبر السماء. ثم سمعت الاذن صوت الرياح الشديدة العاصفة واللينة الطيبة، وعاينت العين ما يقلع من عظام الشجر ويهدم من وثيق البنيان وتسفي من ثقال الرمال تخلي منها ناحية وتصبها في اخرى بلا سائق تبصره العين ولا تسمعه الاذن ولا يدرك بشئ من الحواس، وليست مجسدة تلمس، ولا محدودة تعاين، فلم تزد العين والاذن وسائر الحواس على أن دلت القلب أن لها صانعا، وذلك أن القلب يفكر بالعقل الذي فيه، فيعرف أن الريح لم تتحرك من تلقائها، وأنها لو كانت هي المحركة لم يكفف عن التحرك، ولم تهدم طائفة وتعفي اخرى، ولم تقلع شجرة وتدع اخرى إلى جنبها، ولم تصب أرضا وتنصرف عن اخرى فلما تفكر القلب في أمر الريح علم أن لها محركا هو الذي يسوقها حيث يشاء ويسكنها إذا شاء ويصيب بها من يشاء ويصرفها عمن يشاء، فلما نظر القلب إلى ذلك وجدها متصلة بالسماء وما فيها من الآيات، فعرف أن المدبر القادر على أن يمسك الارض والسماء هو خالق الريح ومحركها إذا شاء وممسكها كيف شاء ومسلطها على من يشاء. وكذلك دلت العين والاذن القلب على هذه الزلزلة، وعرف ذلك بغير هما من حواسه حين حركته، فلما دل الحواس على تحريك هذا الخلق العظيم من الارض في غلظها وثقلها وطولها وعرضها وما عليها من ثقل الجبال والمياه والانام وغير ذلك و إنما يتحرك في ناحية ولم يتحرك في ناحية اخرى وهي ملتحمة جسدا واحدا وخلقا متصلا بلا فصل ولا وصل تهدم ناحية وتخسف بها وتسلم اخرى، فعندها عرف القلب أن محرك ما حرك منها هو ممسك ما أمسك منها، وهو محرك الريح وممسكها، وهو مدبر السماء والارض وما بينهما، وأن الارض لو كانت هي المتزلزلة لنفسها لما تزلزلت ولما تحركت، ولكنه الذي دبرها وخلقها حرك منها ما شاء. ثم نظر العين إلى العظيم من الآيات من السحاب المسخر بين السماء والارض بمنزلة الدخان لا جسد له يلمس بشئ من الارض والجبال يتخلل الشجرة، فلا يحرك منها شيئا، ولا يهصر منها غصنا، ولا يعلق منها بشئ، يعترض الركبان فيحول بعضهم من بعض من ظلمته وكثافته، ويحتمل من ________________________________________