[2] وأبي يقول: يا دهر أف لك من خليل * كم لك بالاشراق والاصيل من صاحب وطالب قتيل * والدهر لا يقنع بالبديل وإنما الامر إلى الجليل * وكل حي سالك سبيلي فأعادها مرتين، أو ثلاثا حتى فهمتها وعلمت ما أراد فخنقتني العبرة، فرددتها ولزمت السكوت، وعلمت أن البلاء قد نزل، وأما عمتي فلما سمعت ما سمعت وهي امرأة ومن شأن النساء الرقة والجزع، فلم تملك نفسها أن وثبت تجر ثوبها وهي حاسرة حتى انتهت إليه، وقالت: واثكلاه ليت الموت أعدمني الحياة، اليوم ماتت أمي فاطمة، وأبي علي وأخي الحسن يا خليفة الماضي، وثمال الباقي، فنظر إليها الحسين عليه السلام وقال لها: يا أخته لا يذهبن حلمك الشيطان ! وترقرقت عيناه بالدموع، وقال: لو ترك القطا [ليلا] لنام (1) فقالت: يا ويلتاه أفتغتصب نفسك اغتصابا ؟ (2) فذلك أقرح لقلبي وأشد على نفسي، ثم لطمت وجهها، وهوت إلى جيبها وشقته وخرت مغشية عليها. فقام إليها الحسين عليه السلام فصب على وجهها الماء وقال لها: يا أختاه اتقي الله وتعزي بعزاء الله، واعلمي أن أهل الارض يموتون، وأهل السماء لا يبقون، وأن ________________________________________ (1) القطا: جمع قطاة وهى طائر في حجم الحمام صوته قطاقطا وهذا مثل. قال الميداني: نزل عمرو بن مامة على قوم من مراد، فطرقوه ليلا فأثاروا القطا من أماكنها فرأتها امرأته طائرة، فنبهت المرأة زوجها فقال: انما هي القطا، فقالت: لو ترك القطا ليلا لنام. يضرب لمن حمل على مكروه من غير ارادته، وقيل غير ذلك. راجع مجمع الامثال ج 2 ص 174 تحت الرقم 3231. (2) لا أرى لذكر الاغتصاب وجها والظاهر أنه تصحيف والصحيح: " أفتحتسب نفسك احتسابا ". يقال: احتسب ولدا له: إذ امات ولده كبيرا، ومثله احتسب نفسه: إذا عدها شهيدا في ذات الله، وقد مر في ص 138 من ج 44 كلام الحسن بن على عليهما السلام " اللهم انى احتسب نفسي عندك " فراجع. ________________________________________