[ 155 ] يا هشام إياك والكبر على أوليائي، والاستطالة بعلمك فيمقتك الله، فلا تنفعك بعد مقته (1) دنياك ولا آخرتك، وكن في الدنيا كساكن الدار ليست له، إنما ينتظر الرحيل. يا هشام مجالسة أهل الدين شرف الدنيا والآخرة، ومشاورة العاقل الناصح يمن وبركة ورشد وتوفيق من الله، فإذا أشار عليك العاقل الناصح فإياك والخلاف فإن في ذلك العطب. بيان: أهل الدين هم العالمون بشرائع الدين العاملون بها. والعطب بالتحريك الهلاك. يا هشام إياك ومخالطة الناس والانس بهم إلا أن تجد منهم عاقلا مأمونا فأنس به واهرب من سائرهم كهربك من السباع الضارية، وينبغي للعاقل إذا عمل عملا أن يستحيي من الله إذ تفرد له بالنعم أن يشارك في عمله أحدا غيره، وإذا حزبك (2) أمر أن لا تدري أيهما خير وأصوب فانظر أيهما أقرب إلى هواك فخالفه، فإن كثير الثواب في مخالفة هواك، وإياك أن تغلب الحكمة وتضعها في الجهالة. قال هشام: فقلت له: فإن وجدت رجلا طالبا غير أن عقله لا يتسع لضبط ما القي إليه ؟ قال: فتلطف له في النصيحة، فإن ضاق قلبه فلا تعرضن نفسك للفتنة، واحذر رد المتكبرين، فان العلم يدل على أن يحمل على من لا يفيق (3) قلت: فإن لم أجد من يعقل السؤال عنها ؟ قال فاغتنم جهله عن السؤال حتى تسلم فتنة القول، وعظيم فتنة الرد، واعلم: أن الله لم يرفع المتواضعين بقدر تواضعهم ولكن رفعهم بقدر عظمته ومجده، ولم يؤمن الخائفين بقدر خوفهم ولكن آمنهم بقدر كرمه وجوده، ولم يفرح المحزونين بقدر حزنهم ولكن ________________________________________ (1) المقت بفتح الميم وسكون القاف: شدة البغض. (2) في التخف المطبوع: وإذا مر بك. (3) قوله يدل: يحتمل أن يكون من باب ضرب يضرب أي تغنج وتلوى أن يحمل على من لم يرجع عن سكره وإغماءه وغفلته، وفي التحف المطبوع " يجلى " بدل " يحمل " أي العلم تغنج وتلوى أن يعرض على من لا يفيق. وظني أن " يحمل أو يجلى " يكون مصحف " ينجل " أي العلم يرشد إلى أن ينجل على من لا يفيق، أو أن في الجملة تصحيفا وغلطا والصحيح: فان العلم يدل ان يحمل على من لا يطيق. (*) ________________________________________