[ 17 ] ولما كان علم الغيب منطويا عن العبد، (1) وربما تعارض عقله قوى الشهوية وتخا طه الخيالات النفسانية فيتوهم امرا فيه فساده صلاحا فيطلبه من الله سبحانه ويلح في السؤال عليه، ولو يعجل الله اجابته ويفعله به لهلك البتة (2). وهذا امر ظاهر العيان غنى عن البيان كثير الوقوع، فكم نطلب امر اثم نستعيذ منه، وكم نستعيذ من امر ثم نطلبه، وعلى هذا خرج (3) قول على عليه السلام: رب امر حرص الانسان عليه فلما ادركه ود ان لم يكن ادركه. وكفاك قوله تعالى: (وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى ان تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون) فان الله تعالى من وفور كرمه وجزيل نعمه لا يجيبه الى ذلك اما لسابق رحمته به فانه هو الذى سبقت رحمته غضبه وانما انشأه (4) رحمة به وتعريضا (تعرضا) لاثابته (5) وهو الغنى عن خلقه ومعاقبته أو لعلمه سبحانه بان المقصود للعبد من دعائه هو اصلاح حاله، فكأن ما طلبه ظاهرا غير مقصود له مطلقا بل بشرط نفعه له فالشرط المذكور حاصل في نيته وان لم يذكره بلسانه بل وان لم يخطر بقلبه حالة الدعا هذا الشرط، فهو كالأعجمي الذى لقن لفظا لايعرف معناه أو سمع لفظا توهمه علما على شئ ثم طلبه من عارف يقصده فانه يعطيه ما علم قصده إليه لا مادل ظاهر لفظة عليه، وهذا هو معنى الدعا الملحون الذى لا يقبله الله على ما ورد في بعض الاخبار. ________________________________________ (1) طوى الحديث: كتمه (ق). (2) الالحاح أن يلازم المسئول حتى يعطيه. (المجمع) (3) خرج المسألة بالتشديد: وجهها أي بين لها وجها (اقرب) (4) قوله: انشأه الضمير راجع الى الدعا وكونه رحمة واضح لانه عبادة جليلة يثاب عليه وان لم يستجب. (5) الثواب: جزاء الطاعة. البقرة. 216 (*). ________________________________________