[ 26 ] قصده ولا يدري لمن حمده أو جحده، فلم يقبلوا من الناصح الشفيق، واجتهدوا في عداوته ومحاربته بكل طريق. فاحتمل الناصح جهل المشفق عليه وتلافي (1) عداوته بالاحسان إليه، حتى ادى الأمر الى قهر هذا الضال الهالك، وجذبه بغير اختياره الى صواب المسالك. فلما وقفه الناصح على صحيح المحجة، وعرفه ما كان يجهله من الحجة، واغناه بعد الفقر وجبره بعد الكسر، واعزه بعد الذلة، وكثره بعد القلة، واوطأه رقاب ملوك البلاد، واراه ابواب الظفر بسعادة الدنيا والمعاد، قام ذاك الضال عن الصواب الذي كان مفتضحا بعبادة الاحجار والاخشاب ومشابها للدواب، الى ذرية مولاه، الذي هداه واحياه واعتقه من رق الجهالة واطلقه من اسر الضلالة وبلغ به من السعادة ما لم يكن في حسابه. فنازع هذا الناصح الشفيق، الرفيق في ولده وفي ملكه ورياسته واسبابه، وجذب عليهم سيفا كان للناصح في يديه واطلق لسانه في ذرية ولاة المحسن إليه، وسعى في التقدم واخذ ملكهم من ايديهم، وسفك دمائهم، وسبى ذريتهم ونسائهم. اما ترون هذا قبيحا في العقول السليمة وفضيعا في الآراء المستقيمة، ويحكمون على فاعله بانه قد عاد على نحو ضلالة السالف، واوقع نفسه في المتالف والى الغدر والخيانة وسقوط المروة والامانة. افما كذا جرى لصاحب النبوة والوصية وولده مع من نازعهم في حقوق نبوته ورياسته وهدايته، فكيف صار الرعايا ملوكا لولد من حكمهم في ملكه وساعين في استبعاد ولده أو هلكه أو اراقة دمه وسفكه. تا لله ان الالباب من هذا لنافرة غاية النفور، وشاهدة ان فاعله غير معذور. افترضون ان يصنع عبيدكم وغلمانكم واتباعكم مع ذريتكم أو اقرب قرابتكم، ما صنع عبيد محمد وغلمانه واتباعه مع ذريته. ________________________________________ 1 - تلقى (خ ل). ________________________________________