[ 319 ] فلما أتى على هذا الكلام صرف الى السيد وجهه فقال: لا سيف الا ذو نبوة ولا عليم الا ذو هفوة، فمن نزع عن وهلة واقلع فهو السعيد الرشيد، وانما الافة في الاصرار، واعرضت 1 بذكر نبيين يخلقان زعمت 2 بعد ابن البتول، فأين يذهب بك عما خلد في الصحف من ذكرى ذلك، ألم تعلم ما أنبأ به المسيح عليه السلام في نبى اسرائيل، وقوله لهم: كيف بكم إذا ذهب بى الى أبى وأبيكم وخلف بعد أعصار يخلو من بعدى وبعدكم صادق وكاذب ؟ قالوا: ومن هما يا مسيح الله ؟، قال: نبى من ذرية اسماعيل عليهما السلام صادق ومتنبى ممن بنى اسرائيل كاذب، فالصادق منبعث منهما برحمة وملحمة، يكون له الملك والسلطان مادامت الدنيا، واما الكاذب، فله نبذ يذكر به المسيح الدجال، يملك فواقا 3 ثم يقتله الله بيدى إذا رجع بى. قال حارثة: واحذركم يا قوم ان يكون من قبلكم من اليهود اسوة لكم، انهم انذروا بمسيحين: مسيح رحمة وهدى ومسيح ضلالة، وجعل لهم على كل واحد منهما آية وأمارة، فجحدوا مسيح الهدى وكذبوا به وآمنوا بمسيح الضلالة الدجال واقبلوا على انتظاره، واضربوا في الفتنة وركبوا نتجها 4، ومن قبل نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم وقتلوا أنبياءه والقوامين بالقسط من عباده، فحجب الله عز وجل عنهم البصيرة بعد التبصرة بما كسبت أيديهم، ونزع ملكتهم منهم ببغيهم، والزمهم الذلة والصغار، وجعل منقلبهم الى النار. قال العاقب: فما أشعرك ياحار ان يكون هذا النبي المذكور في الكتب هو قاطن 5 يثرب، ولعله ابن عمك صاحب اليمامة، فانه يذكر من النبوة ما يذكر منها اخو قريش، وكلاهما من ذرية اسماعيل ولجميعهما اتباع واصحاب، يشهدون بنبوته ويقرون له برسالته، فهل تجد بينهما في ذلك من فاصلة فتذكرها ؟ ________________________________________ 1 - عرضته (خ ل). 2 - زعمته (خ ل). 3 - الفواق: مابين الحلبتين من الوقت، الزمن اليسير. 4 - نتج بمعنى نتج، ويقال إذا تكسب من عمله. 5 - قطن بمكان: اقام فيه. ________________________________________