[ 375 ] اقول قد تحقق في محله أن الاجماع الذى هو أحد الادلة عبارة عن الاتفاق الكاشف عن قول الامام (عليه السلام) أو فعله أو تقريره كشفا قطعيا، فلو حصلنا على اتفاق الكل، ولكن احتملنا ان يكون منشأ هذا القول منهم أمرا لا يصح كونه مستندا عندنا، فلم يتحقق عندنا اجماع محقق، كما لا يخفى. وفي المقام بما أنه يمكن بل يظن أن مدرك فتوى القائلين بوجوب الترجيح بعض الوجوه الآتية، فليس هذا الاتفاق بشئ، بل يرجع إلى تلك الوجوه. هذا حال الاجماع المحصل الذى استدل به، فكيف حال المنقول، مضافا إلى أن الناقلين لم ينقلوا الاجماع على وجوب الترجيح من الصحابة والعلماء، بل نقلوا عملهم على ذلك، وهو لا يكشف عن كونه واجبا عندهم. و (منها) أن العدول عن الراجح إلى المرجوح قبيح عقلا، بل ممتنع قطعا، فيجب العمل بالراجح، لئلا يلزم ترجيح المرجوح على الراجح. وفيه أنه ان اريد من الراجح ما هو كذلك بملاحظة الدواعى الشخصية للفاعل، فترجيح المرجوح بهذا المعنى عليه محال، لكن ليس العمل بغير ذى المزية اختيارا للمرجوح، ضرورة أنه ما لم يترجح بحسب دواعيه الشخصية، لم يعقل اختياره. وإن اريد منه ما يكون كذلك عقلا، فقد عرفت أنه - مع قطع النظر عن التعبد - يحكم بالتوقف وعدم العمل بواحد منهما بالخصوص، فما دعت الى العمل باحد الخبرين عند التعارض الا الاخبار الواردة في الباب، فلابد أن تلاحظ، فان دلت على التخيير مطلقا، حكم به، وان دلت على الترجيح، حكم به ايضا، وان قصرت دلالتها من هذه الجهة، فلابد من الرجوع إلى الاصل الذى اسسناه. وكيف كان فالتمسك بقبح ترجيح المرجوح على الراجح أو امتناعه مما لا دخل له بالمقام. و (منها) الاخبار الواردة من طرقنا المشتملة على جمع من وجوه الترجيح. وقد ذكرها شيخنا المرتضى قدس سره في رسالة التعادل والترجيح، وهى العمدة في الباب عند مشايخنا قدس الله اسرارهم. ________________________________________