[ 252 ] ادلة الاستصحاب الدليل الاول - بناء العقلاء لا شك في ان العقلاء من الناس على اختلاف مشاربهم واذواقهم جرت سيرتهم في عملهم وتبانوا في سلوكهم العملي على الاخذ بالمتيقن السابق عند الشك اللاحق في بقائه. وعلى ذلك قامت معايش العباد، ولولا ذلك لاختل النظام الاجتماعي ولما قامت لهم سوق وتجارة. وقيل: ان ذلك مرتكز حتى في نفوس الحيوانات: فالطيور ترجع إلى أوكارها والماشية تعود إلى مرابضها. ولكن هذا التعميم للحيوانات محل نظر، بل ينبغي ان يعد من المهازل لعدم حصول الاحتمال عندها حتى يكون ذلك منها استصحابا، بل تجري في ذلك على وفق عادتها بنحو لا شعوري. وعلى كل حال، فان بناء العقلاء في عملهم مستقر على الاخذ بالحالة السابقة عند الشك في بقائها، في جميع احوالهم وشؤونهم، مع الالتفات إلى ذلك والتوجه إليه. وإذا ثبتت هذه المقدمة ننتقل إلى مقدمة أخرى فنقول: ان الشارع من العقلاء بل رئيسهم فهو متحد المسلك معهم، فإذا لم يظهر منه الردع عن طريقتهم العملية يثبت على سبيل القطع انه ليس له مسلك آخر غير مسلكهم والا لظهر وبان ولبلغه الناس. وقد تقدم مثل ذلك في حجية خبر الواحد. وهذا الدليل - كما ترى - يتكون من مقدمتين قطعيتين: 1 - ثبوت بناء العقلاء على اجراء الاستصحاب. 2 - كشف هذا البناء عن موافقة الشارع واشتراكه معهم. وقد وقعت المناقشة في المقدمتين معا. ويكفي في المناقشة ثبوت الاحتمال فيبطل به الاستدلال، لان مثل هذه المقدمات يجب ان تكون قطعية والا فلا يثبت بها المطلوب ولا تقوم بها للاستصحاب ونحوه حجة. أما (الاولى)، فقد ناقش فيها استاذنا الشيخ النائيني رحمه الله: بأن بناء ________________________________________