[ 247 ] ونحوه: ما قاله بعضهم: انه لا شك في صحة توصيف الاستصحاب بالحجية، مع انه لو أريد منه ما يؤدي معنى الابقاء لا يصح وصفه بالحجة، لانه ان اريد منه الابقاء العملي المنسوب إلى المكلف فواضح عدم صحة توصيفه بالحجة، لانه ليس الابقاء العملي يصح ان يكون دليلا على شئ وحجة فيه. وان اريد منه الالزام الشرعي فانه مدلول الدليل، لا انه دليل على نفسه وحجة على نفسه، وكيف يكون دليلا على نفسه وحجة على نفسه. فهو من هذه الجهة شأنه شأن الاحكام التكليفية المدلولة للادلة. قلت: نستطيع حل هذه الشبهة بالرجوع إلى ما ذكرناه من معنى الابقاء الذي هو مؤدى الاستصحاب، وهوان المراد به القاعدة الشرعية المجعولة في مقام العمل. فليس المراد منه الابقاء العملي المنسوب إلى المكلف ولا الالزام الشرعي، فيصح توصيفه بالحجة ولكن لا بمعنى الحجة في باب الامارات بل بالمعنى اللغوي لها، لانه لا معنى لكون قاعدة العمل دليلا على شئ مثبتة له، بل هي الامر المجعول من قبل الشارع فتحتاج إلى اثبات ودليل كسائر الاحكام التكليفية من هذه الجهة، ولكنه نظرا إلى ان العمل على وفقها عند الجهل بالواقع يكون معذرا للمكلف إذا وقع في مخالفة الواقع كما انه يصح الاحتجاج بها على المكلف إذا لم يعمل على وفقها فوقع في المخالفة. صح ان توصف بكونها حجة بالمعنى اللغوي. وبهذه الحجة يصح التوصيف بالحجة سائر الاصول العملية والقواعد الفقهية المجعولة للشاك الجاهل بالواقع، فانها كلها توصف بالحجة في تعبيراتهم، ولا شك في انه لا معنى لان يراد منها الحجة في باب الامارات، فيتعين ان يراد منها هذا المعنى اللغوي من الحجة. وبهذه الجهة تفترق القواعد والاصول الموضوعة للشاك عن سائر الاحكام التكليفية، فانها لا يصح توصيفها بالحجة مطلقا حتى بالمعنى اللغوي. غير انه يجب ألا يغيب عن البال ان توصيف القواعد والاصول الموضوعة للشاك بالحجة يتوقف على ثبوت مجعوليتها من قبل الشارع بالدليل الدال عليها. فالحجة في الحقيقة هي القاعدة المجعولة للشاك بما انها مجعولة من قبله. والا إذا لم تثبت مجعوليتها لا يصح ان تسمى قاعدة فضلا عن توصيفها بالحجة. وعليه، فيكون المقوم لحجية القاعدة المجعولة للشاك - أية قاعدة كانت - هو الدليل الدال عليها الذي هو حجة بالمعنى الاصطلاحي. ________________________________________