بقي من القرآن شيء، ولكن القرآن يجري أوّله على آخره ما دامت السماوات والأرض، ولكلّ قوم آية يتلونها، هم منها من خير أو شرّ»[77]. وعليه، فإنّ للقرآن ظهراً حسب التنزيل وبطناً حسب التأويل، وإنّما عبّر عنه بالبطن; لأنّ هذا المعنى العامّ قد استبطنته الآية واستخلصت من طيّها استخلاصاً، وذلك بإعفاء جوانب الآية الخاصّة، وملابساتها التي كانت تجعل من الآية خاصّة بمورد نزولها، لكنّها لم تكن ذات مدخليّة في هدف الآية العامّ، فبهذا الإعفاء وذاك الاستخلاص يبدو وجه الآية العامّ، وتصبح ذات رسالة خالدة وشاملة. وإلى هذا المعنى لعلّه يشير الحديث الوارد: «نزل القرآن بإيّاك أعني واسمعي يا جارة»[78]. أي أنّ الخطاب وإن كان بظاهره خاصّاً، لكنّه في واقع أمره عامّ يشمل الحاضرين والغائبين على حدٍّ سواء. خذ لذلك مثلاً قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُم لاَتَعْلَمُونَ)[79]، نزلت بشأن المشركين حيث تشكيكهم في موضع الرسول: هل يصحّ أن يكون بشراً؟! فالآية بمفادها الظاهري ـ حسب تنزيلها ـ نزلت بشأن إزاحة علّة المشركين بالذات، لكنّها بفحواها العامّ المطويّ تعمّ كلّ جاهل بأصول الديانة أو فروع أحكامها، فعليه أن يراجع العلماء في ذلك، وهذه هي رسالة الآية الخالدة، ومن ثم فهي مستند عقلاني وحياني، يحتجّ بها الأكابر في كافّة الأصقاع والإعصار على ضرورة رجوع العامّة إلى ذوي الاختصاص في كافّة العلوم والمعارف. وسنذكر كيفية هذا الاستخلاص وشروطه.