هذا الكلام صدر يوم كان علماء الأمة على مطالع الفكر الديني، والنظر في أصول معارف الإسلام، فقد كانوا في بدء الأمر ولم يكونوا قد سبروا وتعمّقوا، ومن ثمّ لم يكونوا على استعداد لفهم كنه الأوصاف ووجه الاتّصاف، فكان عليهم أن يقتصروا على ظاهر التعبير ـ والحال هذه ـ كي يتمرّنوا على طول الأيّام، وليتأهّبوا للحصول على دقيق النظر، والوصول إلى صميم الفكر. فقد كانت سورة التوحيد والآيات الستّ من أوّل سورة الحشر هي مجموعة صفات الجمال والجلال، قد حرموا عن دقيق فهمها يومذاك; لفقدهم الصلاحية والاستعداد اللازم. أمّا بعد أن توسّعت فكرتهم، وتعمّقت نظرتهم، فهم على أهبّة من سبر أغوارها وفهم حقائقها، وعليه فلا منافاة بين القدح للتعمّق يومذاك حيث لم يستعدّوا له، والمدح عليه بعدئذ حيث تواجد الصلاحيّة والاستعداد، وتوفّر القابليّات. وبذلك تبيّن أنّ المدح على التعمّق إنّما هو حيث توافر الصلاحيّة ولو في الصدر الأوّل، حيث العلماء النبهاء، وأوّل الراسخين وأفضلهم هو رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كان يعلم التأويل قطعيّاً، حيث كان المرجع الأعلى لتبيين الذكر الحكيم، ثمّ الكبار من صحابته، وأمثلهم ابن عبّاس الذي كان ممّن يعلم تأويله[73]، ناهيك عن العترة الطاهرة الذين هم مراجع الأمّة بعد الرسول (صلى الله عليه وآله). ويدلّك على ذلك حديث الثقلين، وقد سأل عبيدة السلماني وعلقمة بن قيس والأسود بن يزيد النخعي الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): من ذا يسألونه عمّا إذا أشكل عليهم فهم معاني القرآن؟ فقال (عليه السلام): «سلوا عن ذلك آل محمّد»[74]. وقال الإمام أبو جعفر الباقر (عليه السلام) لعمرو بن عبيد: «فإنّما على الناس أن يقرأوا القرآن كما أُنزل، فإذا احتاجوا إلى تفسيره فالاهتداء بنا وإلينا يا عمرو!»[75]