لم يقف، وهذا القول أقوى من الأوّل; لأنّه إذا كان لا يعلم تأويل المتشابه إلاّ الله، لم يكن في إنزاله ومخاطبة المكلّفين به فائدة، بل يكون كخطاب العربي بالزنجية، ومعلوم أنّ ذلك عيب قبيح»[70]. ويتأيّد هذا الاحتمال الذي ذكره الشرّاح بأنّ أصحاب الغيّ والفساد إنّما يتتبّعون آيات الصفات، والتي يمكن فيها النقاش والجدال واللجج، فيكون النهي اللاذع موجّهاً إليهم بالذات، وهم أهل جدل وعناد، وكان الأمر في بدايته يومذاك[71]. أمّا المتعمّقون النابهون من أصحاب العقول الكبيرة ممّن سمح بهم الدهر فيما بعد، وازدهرت بهم الأيّام في مستقبل العصور، فالمجال لهم واسع لمعرفة حقائق الكتاب، والكشف عن خباياه خطوة بعد أخرى، وهكذا على مرّ الدهور. روى ثقة الإسلام الكليني بإسناده الصحيح إلى النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد، قال: سُئل الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) عن التوحيد، فقال: «إنّ الله عزّ وجلّ علم أنّه يكون في آخر الزمان أقوام متعمّقون، فأنزل الله تعالى: (قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ...)والآيات من سورة الحديد إلى قوله: (وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) فمن رام وراء ذلك فقد هلك...»[72]. انظر إلى هذه الدقّة في التعبير: «إنّ الله عزّ وجلّ علم أنّه يكون في آخر الزمان أقوام متعمقون»!!