يقول الراغب الأصفهاني: «تحريف الشيء: إمالته، كتحريف القلم، وتحريف الكلام: أن تجعله على حرف من الاحتمال، يمكن حمله على الوجهين»[19]. دراسة مفردة «التحريف» في القرآن 1 ـ قوله تعالى: (أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)[20]. التحريف هنا تفسير الكلام بما تهوى إليه الأنفس والميول. وهذا المعنى للتحريف ليس موضع بحثنا; لأنّه المعنى اللغوي له، وليس الاصطلاحي. 2 ـ قوله تعالى: (مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا...)[21]. وردت هذه الآية في اليهود، وباستثناء العلاّمة الطباطبائي فإنّ جلّ المفسّرين يقولون فيها: إنّهم يفسّرون التوراة والإنجيل على غير وجهها، أي يفسّرونها بنحو لاينطبق المعنى على الألفاظ حقيقةً ولا مجازاً، وذلك لأنّ أنفسهم تميل إلى هذه التفاسير. يقول الزمخشري في ذيل الآية: (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ): «يميلونه عنها ويزيلونه»[22]. لكن للعلاّمة الطباطبائي رأياً آخر هنا، إذ اعتبر التحريف هنا أعمّ، حيث قال: «وقد وصف الله تعالى هذه الطائفة بتحريف الكلم عن مواضعه، وذلك إمّا بتغيير مواضع الألفاظ بالتقديم والتأخير، والإسقاط والزيادة، كما ينسب إلى التوراة الموجودة، وإمّا بتفسير ما ورد عن موسى (عليه السلام) في التوراة وعن سائر الأنبياء بغير ما قصد منه من المعنى الحقّ، كما أوّلوا ما ورد في رسول الله (صلى الله عليه وآله) من بشارات التوراة. ومن قبل أوّلوا ما ورد في المسيح (عليه السلام) من البشارة وقالوا: إنّ الموعود لم يجئ بعد، وهم ينتظرون قدومه إلى اليوم»[23]. 3 ـ قوله تعالى: (...وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ...)[24].