ج ـ الميل الفطري للسيطرة والتفوق على الآخرين وغير ذلك فيما لم تبطل هذه الافتراضات فإن التفسير الماركسي لن يكون علمياً. أهم مانع في وجه الماركسية: وأهم عقبة تواجه الماركسية هنا تنبع من الفرق بين طبيعة البحث التاريخي ـ وهو مجال بحثها ـ وطبيعة البحث في العلوم الطبيعية كالكيمياء والفيزياء. ويرجع الاختلاف بين البحثين ـ عادة ـ إلى سببين هما: (الأول) من ناحية موضوع البحث. فالباحث الفيزيائي يتصل بالظاهرة الطبيعية اتصالا مباشراً فيدرسها إذ هي ظاهرة معاصرة له، موجودة في المختبر، يشاهدها ويضع تفسيراً كاملا لها. أما الباحث التاريخي فإنه عندما يريد استكشاف العوامل الأساسية في المجتمع وكيفية نشوئه وتطوره يضطر للاعتماد على النقل والرواية، أو على الآثار التاريخية الباقية، أو على الحدس والتخمين لمعرفة بعض الظواهر التاريخية التي لا يستطيع مشاهدتها. فهذا (انجلز) في كتابه (أصل العائلة) اعتمد ـ بصورة رئيسية ـ في استنتاجاته على روايات ومزاعم مؤرخ مخصوص هو (مورغان). (الثاني) من ناحية الدليل. فالعالم الفيزيائي يستطيع أن يجري تجاربه المختلفة على المادة المبحوثة ويستعمل الأساليب التي يقررها المنطق التجريبي كطريقتي الاتفاق والاختلاف، فلكي يثبت أن (ب) سبب لـ (أ) يجمع بينهما في ظروف مختلفة (طريقة الاتفاق) ثم يعزل (ب) لمعرفة أنه هل يزول (أ) تبعاً لذلك أم لا؟ (طريقة الاختلاف). أما الباحث التاريخي فإن عليه أن يأخذ الظواهر التاريخية كما هي، ولا يمكنه تطويرها عن طريق التجربة، ولذلك فهو يعجز عن تقديم الدليل العلمي على افتراضه. فالعالم الفيزيائي إذا أراد ـ مثلا ـ أن يعرف السبب الرئيسي للحرارة فإنه يقوم بما يلي: 1ـ افتراض أن الحركة هي سبب الحرارة ـ بعد رؤية تقارنهما في حالات عديدة.