ب ـ ولاريب في أننا نجد في التاريخ التطورات المتعاقبة، والتغيرات التي تطرأ على المجتمعات في مختلف الجوانب، فالمجتمع الأوروبي الحديث ـ مثلا ـ يختلف اختلافاً كبيراً عنه في ما قبل عشرة قرون. لابد أن يكون للتطور سببه بمقتضى مبدأ العلية. ولابد أن ندرس أسباب هذه التطورات الاجتماعية تماماً كما ندرس أسباب الظواهر الطبيعية الفيزياوية كحصول الرعد وتساقط المطر وغير ذلك. فما هو سبب التطورات الاجتماعية إذن؟ ج ـ قد يقال: إن السبب في التطور هو نوعية الأفكار والآراء السائدة في المجتمع، فكلما تغيرت أفكار المجتمع وتطورت تطور المجتمع تبعاً لذلك. ولكن أليس لتطور الأفكار سبب؟ إن هذا التطور أيضاً يخضع لمبدأ العلية العام، فليست الأفكار توجد بالصدفة كما أنها لا توجد بصورة فطرية، وإنّما تكتسب وتنمو بالاكتساب والتجارب فليست هي السبب النهائي لكل التطورات التاريخية ولابد أن يكون وراءها سبب. فلماذا ظهر القول بالحرية السياسية في العصر الحديث دون غيره؟ ولماذا شاعت الآراء التي ترفض الملكية الخاصة فيه دون العصور السابقة؟ ولماذا نشأت فكرة التنظيم النقابي ـ وتجمع العمال في مؤسسات خاصة بهم تدافع عن حقوقهم ـ أخيراً ولم تنشأ قبل عشرة قرون؟ د ـ قد يقال: بأن سبب تطور الأفكار هو نوعية الوضع الاجتماعي عموماً أو بعض الأوضاع الاجتماعية كالوضع الاقتصادي. ولكنا هنا نكون قد درنا في حلقة مفرغة واعترفنا بما يطلق عليه اصطلاحاً اسم (الدور) وهو أمر باطل وذلك لأنّا فسرنا تطور الأوضاع الاجتماعية بتطور الأفكار ثم فسرنا تطور الأفكار بتطور الأوضاع الاجتماعية. قال بليخانوف: وجد هيجل نفسه، في ذات الحلقة المفرغة (الدور الباطل) التي وقع فيها علماء الاجتماع، والمؤرخون الفرنسيون.