فإنّه يتّجه إلى اكتشاف الجانب الاجتماعي في حين يتّجه الآخر (نتيجة ذوقه الفردي) إلى اكتشاف الأحكام الفرديّة. ضرورة الذاتيّة أحياناً وقد تكون الذاتيّة ضروريّة أحياناً; وذلك حينما يراد اختيار الصورة المراد أخذها عن الاقتصاد الإسلامي من بين مجموع الصور المشروعة فقهيّاً. فإنّ عمليّات الاجتهاد التي تتم ضمن المعايير الإسلامية كلّما ازدادت الذخيرة التي تساعدنا على اكتشاف المذهب الاقتصادي، وحينئذ فإنّ لنا اختيار أقوى العناصر المساهمة في العمليّة، وهو مجال اختيار ذاتي يتحرّر به الباحث من كونه مكتشفاً، وربّما كان هذا الاختيار شرطاً في عمليّة الاكتشاف المرجوّة وليس أمراً جائزاً فحسب، وحينئذ فأقلُّ ما يُقال عن النتيجة هي إنّها صورة قد تصدّق على الواقع الإسلامي، وهي مبرّرة شرعاً لأنها نتيجة اجتهادات إسلامية وفق المعايير الموضوعيّة، فيمكن للمجتمع اختيارها من بين الصور الأُخرى. خداع الواقع التطبيقي لمّا كان الإسلام قد دخل حيِّز التطبيق فقد أمكن اكتشاف المذهب أيضاً من الواقع التطبيقي كما أمكن اكتشافه من الواقع النظري، إلاّ أنَّ الكاشف النظري أقدر على التصوير، لأنَّ الواقع التطبيق قد لا يعكس المضمون الضخم لنصٍّ نظريٍّ ، وقد يخدع التطبيق الشخصي الممارس كأن توحي حريّة الأفراد في الصدر الأول في الاستفادة من الثروة المعدنيّة بأنّ هناك عناصر رأسماليّة في الاقتصاد الإسلامي. وحوّل هذا الموضوع حديث مفصّل يترك إلى محلّه. وهكذا وبعد أن لاحظنا هذه المقدّمات التسع سوف نعمل في الدروس الآتية على السير مع الأحكام والمفاهيم والواقع التطبيقي لنحاول من كل ذلك اكتشاف الصورة الأمثل للمذهب الاقتصادي الإسلامي مع التأكيد على إمكان القيام بعمليّات اكتشاف جديدة وربّما أدّت إلى نتائج جديدة.