أولا: يندر التوفيق بين حاجة المشتري وحاجة البائع كلما ازداد التخصص وتنوعت الحاجات فقد يجد منتج الحنطة حاجته عند شخص لا يرغب في الحصول على الحنطة. ثانياً: صعوبة التوافق بين قيم الأشياء المعدة للمبادلة فمن يملك فرساً لا يستطيع الحصول على دجاجة عن طريق مبادلة فرسه بها. ثالثاً: صعوبة تقدير قيم الأشياء المعدة للمبادلة. ولهذه الأسباب نشأت فكرة استعمال النقد كأداة للمبادلة فظهر الشكل الثاني للمبادلة وهو ب ـ المبادلة على أساس النقد، تيسيراً لعلميات التداول وتخلصاً من المشاكل السابقة. غير أن استغلال النقد أيضاً أسفر عن مشاكل أُخرى خطيرة. فأولا: كانت المبادلة في (المقايضة) تجعل كل بائع مشترياً وكل مشتر بائعاً لأنه يدفع سلعة ويأخذ أُخرى فالبيع والشراء مزدوجان في عملية واحدة. وأما المبادلة النقدية فهي تجعل صاحب السلعة بائعاً والذي يبذل النقد مشترياً. ومن هنا فالذي يبيع الحنطة ليحصل على القطن يضطر إلى القيام بمبادلتين فيكون في الأولى بائعاً وفي الأُخرى مشترياً ومن هنا أنفسح المجال لتأخير الشراء عن البيع فللبائع أن يحتفظ بالنقد لنفسه ويؤجل الشراء لوقت آخر ـ ومن هنا أصبح النقد هدفاً جديداً ـ للبائع ونشأت ظاهرة اكتناز المال وتجميده بعد أن كان قابلا للبقاء والادخار ولا يكلف اكتنازه شيئاً من النفقات ويضمن للمكتنز قدرته على شراء أي شيء شاء في كل وقت. ومن هنا أصبحت المبادلة النقدية واسطة بين الإنتاج والادخار وتخلت عن وظيفتها الصالحة كواسطة بين الإنتاج والاستهلاك. وسحب النقد من مجال التداول أدى إلى اختلال كبير في التوازن بين كمية العرض وكمية الطلب حتى أن المحتكر قد يخلق طلباً كاذباً فيشتري كل أفراد السلعة من السوق لا لحاجته إليها بل ليرفع ثمنها، أو يعرض سلعة بأثمان دون كلفتها لإلجاء المنتجين الآخرين إلى الانسحاب من ميدان التنافس وإعلان الإفلاس وهكذا يصبح السوق تحت سيطرة الاحتكار والمحتكرين الكبار. ويسقط آلاف البائعين إلى مهاوي الفقر وبالتالي يتوقف الاستهلاك لانخفاض المستوى الاقتصادي للجمهور وعجزهم عن الشراء، كما تتعطل حركة الإنتاج لأن انعدام القدرة الشرائية عند المستهلكين أو انخفاضها يجرد الإنتاج من أرباحه فيعم الكساد.