والرجل التقدمي في عصر الرق هو الذي يتسعبد الكثرة الكاثرة لأنه الساهر على تحقيق إرادة التاريخ دون وعي. والرجعي هو الذي يترك هذه الفرصة الذهبية لأنه يعارض عملية التقدم البشري المتمثلة في تطبيق نظام الرق في ذلك العصر. والدليل العملي على خطأ النظرة الماركسية وصحة النظرة الإسلامية هو التجربة الإسلامية الأولى والتي تحدَّث المنطق الماركسي في كل شيء فمثلا: 1ـ الانقلاب الإسلامي الذي خلق أمة وأقام حضارة وطور مسيرة التاريخ لم يكن وليد أسلوب جديد في الإنتاج (خلافاً لما تدعيه الماركسية). 2ـ ترى الماركسية أن فكرة المساواة من نتاج المجتمع الصناعي ولا يمكن حدوثها قبل ذلك، بينما نجد الإسلام قد رفع لواء المساوات قبل ولادة المجتمع الصناعي بعشرة قرون. واستطاع أن يعكسها في العلاقات الاجتماعية بدرجة لم تصل إليها البرجوازية. بل ولماذا ظهرت فكرة المساواة في الحجاز دون اليمن أو الحيرة أو الشام الحائزة على وسائل إنتاجية أكثر نمواً وتطوراً؟ 3ـ بشر الإسلام بمجتمع عالمي، وعمل جاهداً لتحقيقه في بيئة كانت تضج بالصراع القبلي. فأي أداة إنتاج حولت أولئك الذين كانت تضيق عقولهم عن فكرة المجتمع القومي فجعلتهم أئمة المجتمع العالمي والدعاة إليه في فترة قصيرة. 4ـ قلص الإسلام من دائرة الملكية الخاصة وهذب مفهومها وفرض عليها كفالة المعوزين، ووضع ضمانات التوازن والعدالة في التوزيع معلناً إن الحرمان غير نابع من الطبيعة بل من سوء التوزيع... إن هذا الوعي الذي لم يوجد في أرقى المجتمعات حينذاك لا يمكن أن يكون وليد المحراث والتجارة والصناعة البدائية. وليس هو نتيجة النمو التجاري في مكة وإلاّ فلِمَ لم يوجد في مجتمعات مشابهة لها أو أرقى منها وأضخم سياسياً واقتصادياً؟ فمن حق الإسلام أن يعلن بكل ثقة زيف تلك الحتمية التاريخية التي تربط كل أسلوب إنتاجي بأسلوب توزيعي خاص به، ويبرهن أن النظام يقوم على أسس فكرية وروحية لا على الطريقة المادية في كسب حاجات الحياة.