يمس هذا مسألة اثبات الاحكام، فحلال محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة. والتغير تارةً يكون في الموضوعات من داخلها كتغير اللحم النجس إلى تراب ورماد مما يغير حكمه إلى الطهارة، وأُخرى يكون التغيّر من الخارج أي بتغير عنصري الزمان والمكان، فهل يمكن تصور هذا التغيير بحيث يترك أثره على تغيّر الحكم؟ الملاحظ ان هناك اتجاهين خطيرين متطرفين ازاء هذا الموضوع، فالاتجاه الأول يرفض أي دخل لهذا العنصر في الموضوعات ويجمد عليها، بل وينكر التغيير في الزمان نفسه فيفترض بقاء الظروف الزمانية على ما هي عليه، والشروط الاجتماعية على ما هي عليه من بساطة رغم كل هذا التعقيد الاجتماعي الملحوظ. وهناك اتجاه آخر ينفتح إلى حد الميوعة فيفترض لهذا العامل دخلا دائماً مما يؤدّي في نهاية الأمر إلى فناء الشريعة وتبدل الاحكام وفق الاهواء، وهو اتجاه خطير بدوره. وما نراه من موقف صحيح، هو الرجوع إلى دليل الحكم ولسانه لمعرفة التحديد الذي يقرره للموضوع، فان كان يطلق الأمر دونما تحديد فليس لنا الخروج عن الدائرة التي يرسمها، وإن كان يسمح حسب الفهم العرفي بمستوى معين من التدخل للزمان، سرنا معه ولاحظنا هذه المرونة فلا نحمّل النص ما لا يتحمل من امتداد ولا نقعد عن ارتياد الآفاق التي يفتحها بحجة الاحتياط. هذا هو المنهج الذي نراه منسجما مع الحقيقة الشرعية المقررة ونرى العدول عنه خطيراً جداً. إن موضوع تحريم الربا وتحريم الخمر، والسماح بالزواج وإقامة المجتمع على أساس عائلي، من المواضيع التي لا تتدخل فيها التغيّرات الزمنية كما يبدو ذلك من أدلّتها. في حين لا نجد في مواضيع من قبيل الشورى وتنظيم النسل، والمباحات العامة ومناطق