الاحتلال ليوطد قواعده ويستقر آمناً لعشرات السنين، ويتساقط العراقيون ضحايا في الحرب الأهلية. والاحتـلال الأجنبـي لم يفهم-ولن يفهم- أن الاختلافات بين المذاهب موجودة منذ مئات السنين.. بين طوائف السُنّة وبين طوائف الشيعة. وهذه الاختلافات تدور داخل اتفاق يجمع المسلمين جميعا على أركان ومبادئ لا يختلف أحد عليها. فالإسلام مظلة تنطوي تحتها الفرق والمذاهب الإسلامية. وبعض الكتاب - مع الأسف - يستغلون جهل كثير من المسلمين بحقيقة الاختلاف والاتفاق بين السُنّة والشيعة، فيعملون على زيادة الفجوة بين الطائفتين، ويرددون أفكار وكتابات غلاة الشيعة من جانب والمتشددين القدامي والمحدثين على الجانب الآخر لغرس بذور الفتنة.. وعلى امتداد التاريخ هناك كتابات مدسوسة، وكتابات مسمومة، وكتابات نابعة من سوء الفهم أو سوء القصد أو المصالح الشخصية أو الدوافع السياسية. وكان من حسن حظي أن تعرفت في السبعينات على واحد من أئمة الشيعة هو الإمام محمد القمي، وهو إيراني، يجيد اللغة العربية وعاش في مصر سنوات طويلة، وكان المؤسس لجماعة التقريب بين المذاهب، ومقرها في الزمالك في القاهرة، وعندما استقر في إيران كان يزور القاهرة كل سنة لقضاء عدة أسابيع يلتقي فيها بشيخ الأزهر ووزير الأوقاف، ويدلي بأحاديث صحفية عن ضرورة تقريب الفجوة المصطنعة بين السُنّة والشيعة. ولأني كنت قريبا من وزير الأوقاف في ذلك الوقت (الدكتور عبد العزيز كامل يرحمه الله) وكان أستاذا كبيرا ومفكرا عظيما، ووطنيا مخلصا شديد الإخلاص لدينه ووطنه، فقد عرفني على الإمام القمي، وأجريت معه عدة أحاديث صحفية للأهرام، كما حضرت لقاءاته مع شيوخ الأزهر ووزراء الأوقاف المتعاقبين بعد ذلك، وكان من بينهم الإمام الشيخ متولي الشعراوي حين كان وزيرا للأوقاف والشيخ عبد العزيز عيسى حين كان أيضاً وزيرا للأوقاف.