المقدّمة لا نبالغ إذ قلنا: إنّ مسألة «ولاية الأمر» ليست هي بالمسألة الجديدة ولا الغريبة على الذهن البشري، منذ أن لامست قدما أول إنسان على سطح هذا الكوكب وحتّى الآن. فعندما تشكّلت أُولى التجمّعات البشرية، وشغلت مساحةً من الأرض، برزت الحاجة إلى مناقشة موضوع من يجب أن يلتزم أمر ولاية الجماعة، والشروط التي ينبغي أن تتوفّر فيه لكي يمكنه أن يشغل هذا المنصب، فيقوم بإدارة دفّة الجماعة وهي تشقّ طريقها في الحياة. وعلى الترتيب باتت هذه المسألة «ملفّاً» يشغل حيّزاً كبيراً في ضمير الإنسانية جمعاء، فكما هو موجود وسط أكثر بلاد العالم عزلةً وتفرّداً ووحشيةً، فهو موجود في أرقاها مدنيّةً، وأعظمها تقدّماً وتطوّراً. والعالم الإسلامي شأنه كغيره، اهتمّ بهذا «الملفّ» اهتماماً بالغاً، خاصةً وهو في طور تأسيس كيان حضاري ذي قانون جديد، يسعى لأن يقدّم للعالم كلّه نموذجاً حضارياً مثيراً، يقوم على أساس أخلاقي ربّاني رفيع، ويسعى إلى نقل العالم الجاهل من فوضويته العارمة، وظلامه الدامس، واضطرابه الكبير، إلى مدنيّة راقية، وأخلاق رفيعة، وقيم مشرقة، تنشر أجنحتها النيّرة في كلّ الآفاق. وقد ازداد اهتمام المتأخّرين بهذه المسألة زيادة بالغة، وذلك لما يواجهون من ظروف قاسية تحيط بعالمهم الفسيح، من استعمار، وغزو، واحتلال، وانتزاع بقع