إنّما كان يُراد به جماعة المسلمين التي تقيم أمر الإسلام بإقامة كتابه وسنّة نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكن صارت كلّ دولة أو إمارة من دول المسلمين تحمل كلمة «الجماعة» على نفسها وإن هدمت السنّة، وأقامت البدعة، وعطّلت الحدود، وأباحت الفجور. ومن المسائل المجمع عليها قولاً واعتقاداً: أنّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإنّما الطاعة في المعروف، وأنّ الخروج على الحاكم المسلم إذا ارتدّ عن الإسلام واجب، وأنّ إباحة المجمع على تحريمه كالزنا والسكر واستباحة إبطال الحدود وشرع ما لم يأذن به الله كفر وردّة، وأنّه إذا وجد في الدنيا حكومة عادلة تقيم الشرع وحكومة جائرة تعطّله، وجب على كلّ مسلم نصر الأُولى ما استطاع، وأنّه إذا بغت طائفة من المسلمين على أُخرى وجرّدت عليها السيف، وتعذّر الصلح بينهما، فالواجب على المسلمين قتال الباغية المعتدية حتّى تفيء إلى أمر الله. وما ورد في الصبر على أئمة الجور إلاّ إذا كفروا معارضٌ بنصوص أُخرى، والمراد به اتّقاء الفتنة، وتفريق الكلمة المجتمعة، وأقواها حديث: «وان لا تنازع الأمر أهله، إلاّ أن تروا كفرا بواحاً». قال النووي: المراد بالكفر هنا المعصية ـ ومثله كثير ـ وظاهر الحديث: أنّ منازعة الإمام الحقّ في إمامته لنزعها منه لا يجب إلاّ إذا كفر كفراً ظاهراً، وكذا عمّاله وولاته، وأمّا الظلم والمعاصي فيجب إرجاعه عنها مع بقاء إمامته وطاعته في المعروف دون المنكر، وإلاّ خُلع ونُصب غيره. ومن هذا الباب خروج الإمام الحسين سبط الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على إمام الجور والبغي، الذي ولي أمر المسلمين بالقوة والمكر، يزيد بن معاوية خذله الله وخذل مَن انتصر له مَن الكرامية والنواصب، الذين لا يزالون يستحبّون عبادة الملوك الظالمين على مجاهدتهم لإقامة العدل والدين. وقد صار رأي الأُمم الغالب في هذا العصر وجوب الخروج على الملوك المستبدّين والمفسدين، وقد خرجت الأُمة العثمانية على