فإنّ تكرار الأمر بالطاعة في الآية الكريمة لا يخلو عن دلالة على أنّ الطاعة طاعتان: ـ طاعة في ثوابت الشريعة وهي طاعة الله تعالى، وهو قوله: (أَطِيعُواْ اللّهَ). ـ وطاعة أُخرى في متغيّرات الأحكام، وأمرها بيد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وخلفائه، ونوّابهم بصفتهم أئمة المسلمين، وهي قوله تعالى: (وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ). وهذه هي الأحكام التي يصطلح عليها الفقهاء بــ «الأحكام السلطانية» أو «الأحكام الولائية»، ويصطلح عليها الشهيد الصدر (رحمه الله) بـ «منطقة الفراغ». تبادل الحقّ والمسؤولية الطاعة حقّ الإمام على الرعية، لا شكّ في ذلك، ولكنّ الحقّ يقابله دائماً المسؤولية، ولا يجوز تجريد الحقّ عن المسؤولية. فمهما جعل الله تعالى لأحد حقّاً على آخر، جعل الله تعالى عليه ـ في مقابل هذا الحقّ ـ مسؤولية تجاه الآخر، والحقّ والمسؤولية متكافئان. وهذا القانون يجري في كلّ الحقوق في حياة الناس، ومن ذلك في حقّ الطاعة الذي جعله الله لأولياء الأُمور على عامة الناس. روى الشريف الرضي في نهج البلاغة، قال: خطب أمير المؤمنين (عليه السلام)بصفّين، فقال: «أمّا بعد، فقد جعل الله سبحانه لي عليكم حقّاً بولاية أمركم، ولكم عليَّ من الحقّ مثل الذي لي عليكم»[374]. وخطب (عليه السلام) أيضاً، فقال: «أيها الناس، إنّ لي عليكم حقّاً، ولكم عليَّ حقّ. فأمّا حقّكم عليَّ فالنصيحة لكم، وتوفير فيئكم، وتعليمكم كي لا تجهلوا، وتأديبكم كيما